في هذا الحوار، يتحدَّث عصام يونس مفوض عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، ومدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، بصراحة عن أهمية المسار القانوني الفلسطيني في المؤسسات الدولية باعتباره ساحة للاشتباك مع الاحتلال، تحتاج قرارات جريئة، كما حذّر من أن القضية الفلسطينية تواجه الأفول بفعل الاختلالات السياسية الكبرى في العالم وتأثير الربيع العربي سلبا في القضية ويطالب منظمة التحرير بأخذ زمام المبادرة قصد إعادة القضية إلى صدارة الاهتمامات العالمية. كثيرون يعتبرون أن المسار القانوني في المجتمع الدولي غير واقعي في النتائج؟ وجب عقلنة كل الأشياء بما فيها خطاب الاشتباك القانوني، لأن العدالة لا تتحقق بالضربة القاضية وإنما بمجموع النقاط، وعلى الضحية أن يُحسن استخدام خياراته خاصة في الحالة الفلسطينية وصراعها الطويل مع احتلال خاص يسعى للإحلال وطرد الفلسطينيين، العمل القانوني والسياسي والدبلوماسي ليس بذاته وإنما الغرض منه تعظيم الاشتباك مع الاحتلال في مشهد فاجر بعد الربيع العربي الذي كان ضحيته الفلسطينيون وتراجع البند الفلسطيني إلى رأس ذيل اهتمام العالم بعدما تصدَّر المشهد، والتحدي هو إعادة القضية إلى الصدارة بصفتها الاحتلال الأطول والأخير، وغياب العدالة عن الضحايا والأسوأ قادم لأن من أمِن العقوبة أساء الأدب. لا يمكن الاستمرار على أرضية رد الفعل، وهذه مشكلة النظام السياسي الفلسطيني أنه نظام منفعل أكثر منه مبادر على مدار50 عاما ما جعل النظام السياسي ككيس الرمل يتلقى الضربات، والآن مطلوب المبادرة بعد أن أصبحت فلسطين عام 2012 دولة عضوا مراقبا لها شخصية الدولة وهناك هوامش قائمة وإمكانية توسيعها لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية.
هل قرار ترمب أعاد القضية للواجهة؟ دون أدنى شك.. قرار ترمب خطير بكل المقاييس لكنه أعاد موضعة القضية الفلسطينية والقدس على أجندة الاجتماع الدولي، المهم الآن إعادة تعريف الأشياء في لحظة الحقيقة والإجابة على: من نحن؟ وماذا نريد؟ لأن الشرعية لا تصنع العدالة وهي بحاجة لمن يوظفها بشكل فاعل من خلال تعظيم الاشتباك القانوني والسياسي لإعادة حضور القضية في ظل الاختلال في ميزان القوة الكوني والتغييرات الرهيبة في الإقليم بعد تسونامي الربيع الذي لم يهدأ بعد، وعالم شديد التغير مما يتطلب إبقاء القضية حية.
ما أهمية محكمة الجنايات الدولية في الحالة الفلسطينية؟ محكمة الجنايات الدولية ليست بذاتها، هي فضاء للاشتباك القانوني والسياسي، وتظهير غياب المحاسبة، وعدم ترك الضحية بعيدا عن العدالة، وترك المجرم حرا طليقا، المطلوب تحقيق الردع لعدم تكرر الجريمة مرة أخرى، وفلسطين الآن جزء من المحكمة وهو فضاء جديد يجب أن نُحسن استخدامه.
وهل أحسنت القيادة الفلسطينية استغلاله؟ المطلوب أكثر من ذلك، ولا يمكن أن نذهب إلى الاشتباك القانوني والسياسي ونحن عيوننا على المفاوضات، والتوجه إلى تعظيم هذا الاشتباك يقتضي قطع العلاقة الظالمة التي وضعنا أنفسنا والعالم فيها خلال أكثر من عقدين من الزمان، والانعتاق من الشروط الظالمة، وإعادة موضعة القضية التي تواجه الأفول بفعل الاختلالات الكبرى في العالم، كل يوم يمرّ دون استصدار قرار من مؤسسة دولية هم خاسرون، لإبقاء القضية حية، وتفعيل حماية المدنيين كجزء من العالم المتحضر وهو اختبار مصداقية العدالة الدولية موضع اختبار حقيقي في قدرته على الاقتراب من الضحايا ومنع تكرار مشهد الجريمة مرة أخرى.
مرت ثلاث حروب على غزة من دون نتائج في محاكمة الاحتلال؟ قدمنا كفلسطينيين للقضاء الدولي كل ما هو مطلوب من معلومات، والمحكمة سيدة نفسها ولها أدواتها المهنية، وما قُدِّم لها أكثر من كاف للبدء في إجراءات التحقيق، نحن لا نشكك فيها، لكن العدالة الطويلة غير المنجزة هي عدالة ناقصة، وقيمة العدالة أن تكون ناجزة وسريعة وفعَّالة، ونحن ننتظر منها القيام بدورها في إنصاف الضحايا وهو امتحان للعدالة في العالم لحماية الضحايا.
هل من السهل حلّ السلطة والتحوّل لحركة تحرّر؟ كيف يمكن تكييف ذلك قانونيا وسياسيا؟ نحن حركة تحرّر ما دام الاحتلال قائماً، يجب أن نتوافق على البرنامج السياسي والإجابة على: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نحقق ما نريد؟ لأنه غير مقبول أن يدفع المجتمع ثمن تكتيكات وخيارات سواء مفاوضات أو مقاومة في حالة أزمة طرف سياسي، والمطلوب وحدة المسار السياسي، وشعب تحت الاحتلال غير متوافق سياسيا أمر خطير. وبعد 20 عاماً لا يمكن حلّ السلطة وهو وهمٌ وصعب عمليا، لكن المطلوب إعادة تعريف السلطة في ظل وجود منظمة التحرير كخيمة يستظل بها الجميع، بعدما ذهبنا بوعي لتعظيم السلطة على حساب المنظمة لذلك جنينا حصادا مرا جراء ذلك، ولذلك الأولى تحويل السلطة إلى ما يشبه البلدية الكبرى لعموم الأراضي لخدمة ورعاية السكان، ويبقى التمثيل السياسي مهمة منظمة التحرير الممثلة لكل الفلسطينيين وتندرج تحتها كل مكوّنات الطيف السياسي الفلسطيني.