هل ننتظر فوز المنتخب الوطني في مباراة كرة القدم حتى نحتفل بعشقنا للوطن المتميّز الذي له من التاريخ ومن الجغرافيا ما يجعله فاتنا ومحبوبا من الأعداء قبل الأصدقاء، فما بالك بأبنائه؟ * * سؤال نطرحه كلما هلّ علينا الخامس من جويلية، ونحن نرى اللامبالاة من عامة الناس وحتى من المسؤولين الصغار والكبار الذين يتنقلون ضمن رزنامة إدارية وليست "وجدانية" نحو المقابر والنصب التذكارية لقراءة الفاتحة ورفع العلم الوطني.. وبمجرد أن يوجّه هذا المسؤول الصغير أو الكبير إلى مهام أخرى حتى ينسى المقابر والنصب التذكارية ولا يحضر مراسيم رفع العلم الوطني، وقد تطير سورة الفاتحة من ذاكرته نهائيا. * ما يجمع الكثير من الجزائريين المهمومين حاليا بمشاكلهم الكثيرة والغاضبين من أداء المسؤولين الذين تمكّنوا من تحقيق أغرب معادلة في العالم وهي "البلد الغني جدا والشعب الفقير جدا"، ما يجمع هؤلاء بالخامس من جويلية هو مجرد الاستفادة من العطلة المدفوعة الأجر التي يتشبثون بالتمتع بها من دون أن يمنحوا للذكرى ما ينفع المؤمنين، وأولها نقل الجهاد الأصغر إلى الحجم الأكبر وتحقيق الاستقلال الحقيقي في المجالات الحيوية لنستعيد السيادة الاقتصادية التي جعلت الكثيرين لا يشعرون بمذاق الاستقلال بسبب التبعية الغذائية التي يشتد وجعها كلما انهار سعر برميل النفط. * عندما سأل الشيخ عبد الحميد بن باديس منذ ثمانين سنة نفسه السؤال الشهير "لمن أعيش؟"، وعندما أجاب الإجابة الشهيرة "أعيش للجزائر وللإسلام وللعربية".. كان يمنّي نفسه أن يعيش كل الجزائريين لهذه المبادئ بعد أن مات آباؤهم لأجلها، وتحقق الحلم الأول في انتزاع الحرية، ولكن الحلم الأكبر في تحويل الوطن إلى جنة مازال بعيدا بعد حوالي نصف قرن من الاستقلال.. ورغم أن اللامبالاة تجاه الوطن لا مبرّر لها، لأن العرف يجبر الناس على العطاء لأوطانهم ولدينهم وللغتهم دون انتظار المقابل فإننا جميعا متورطون في كبت هذه المشاعر الجميلة نحو الوطن التي يتفق الجزائريون على تفجيرها في حالات الفوز الكروي وسيكررونها في حالات مشابهة مع انتصارات كروية أخرى، ولا أحد بإمكانه تأويل هذه الأفراح بتأويلات غير وطنية أو غير جزائرية، لأنها لا تحدث إلا إذا كان طرفها المنتصر هو الجزائر وليس بلدا آخر.. ولم نشهد أبدا احتفالات لانتصارات غير جزائرية. * مازلنا نحلم بوالي سابق تم سحب البساط من تحت أقدامه يتجه بمحض إرادته إلى مقبرة الشهداء ويرفع العلم الوطني بمحض إرادته ويقرأ فاتحة الكتاب من دون بروتوكولات، ومازلنا نحلم بوزير سابق تمت إقالته يرفع العلم الجزائري على شرفة فيلته كما كان يفعل في الوزارة التي حمل حقيبتها، ومازلنا نحلم بابتهاج الناس جميعا في كل خامس من جويلية بعيد حريتهم التي انتزعوها ولم يتصدق بها أحد عليهم.