"من حفر حفرة لأخيه وقع فيها".. هذا المثل العربي ينطبق هذه الأيام على المملكة المغربية. فبعد الحرب الإعلامية والدبلوماسية المشحونة بالدعاية والأكاذيب عن تحقيق انتصارات "وهمية" على خصومها (...) في القارة الإفريقية، رغم عودتها من دون شروط للاتحاد الإفريقي، جاء التنكر أخيرا لهذه الهيئة القارية. التنكر هذا تجلى من خلال رفض "المخزن" أي دور يمكن أن يلعبه الاتحاد الإفريقي في القضية الصحراوية، وهو المسار الذي رسمه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية، هورست كوهلر، الذي وسع دائرة المعنيين بهذه المسألة لتشمل أطرافا جددا منها الاتحاد الإفريقي. المبرر "البايخ" الذي ترفعه مملكة محمد السادس للاحتجاج على أسلوب الرئيس الألماني السابق، هو أن القضية الصحراوية مسألة توجد بين أيدي الأممالمتحدة، وتصر على بقائها كذلك، فهي تدرك أن الحلقة بدأت تضيق على رقبتها وهي غير مستعدة للذهاب إلى المشنقة بإرادتها. المبعوث الأممي الجديد رسم معالم حل القضية الصحراوية، وهي تشبه إلى حد بعيد خطة المبعوث السابق، كريستوفر روس، الذي رفض الانسياق لخطة المغرب لحل النزاع والقائمة على الحكم الذاتي، وفضل أن يرمي المنشفة على أن يخون ضميره ويلعب بمصير قضية عمرها أزيد من أربعة عقود. غضب المغرب على هورست كوهلر تجلى من خلال وصف مقترحاته بأنها "غير مناسبة"، لكونه وسع من دائرة الأطراف المعنية بحل الأزمة إلى الاتحادين الإفريقي والأوروبي، وإن لم يصدر الموقف في بيان رسمي، إلا أنه تبلور من خلال رفض المخزن المشاركة في المفاوضات التي احتضنتها نهاية الأسبوع، العاصمة الألمانية برلين، وشارك فيها الطرف المباشر الصحراء الغربية ممثلة في جبهة البوليزاريو، الجزائر بصفتها طرفا استشاريا. ذعر المخزن من إشراك المبعوث الأممي للاتحاد الإفريقي في المشاورات، نابع من مخاوف احتمال تعرضه لنكسة قد تنسيه حتى الدعاية التي أطلقها خلال جولاته الإفريقية التي سبقت قمة أديس أبابا التي رسمت عودته للاتحاد، فالمخزن يدرك جيدا أن دعم دول القارة السمراء للشعب الصحراوي في كفاحه من أجل تحرير أرضه من آخر استعمار في إفريقيا لا تشوبه شائبة. كما أن هلع الرباط من إشراك الاتحاد الأوروبي في البحث عن حل لأزمة الصحراء الغربية، يؤكد أن أصدقاء المخزن في الضفة الشمالية للبحر المتوسط باتوا غير مستعدين للذهاب معها (المغرب) إلى ما لا نهاية، فالمخزن مدان بقرارات من العدالة الأوروبية بسبب نهبه ثروات الصحراويين، وهو ما يعني بالضرورة أن بروكسل لا تعترف بسيادة المغرب على ما يعتبره المخزن جزافا، أقاليمه الجنوبية. لا شك أن الحضور شبه الدائم للقضية الصحراوية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولا سيما ما تعلق بالاتفاقيات الثنائية في مجال الصيد البحري والزراعة، ومؤسسات حقوق الإنسان الأوروبية، والتحمس اللافت لمجموعات برلمانية معروفة بدفاعها عن القضية الصحراوية، هو الذي يقف وراء رفض المخزن إشراك بروكسل في البحث عن حل للقضية الصحراوية.
ومن شأن تمادي المغرب في رفض التعامل مع من عينتهم الأممالمتحدة (كلهم تقريبا) للبحث عن حلول للأزمة الصحراوية، أن يجعلها دولة مارقة تعمل خارج المنظومة الدولية، وهي المقاربة التي تتجه نحو التكريس مع هورست كوهلر.. وحينها ستحصد الرباط كل ما زرعته.