كانت الساعة الواحدة صباحا بتوقيت بيروت عندما وجدت نفسي على الأرض بعد أن كنت نائما فوق السرير.. لم أفهم لماذا تركت مكاني، كما لم استوعب ما حدث، وما هي إلا ثواني حتى اهتزت الأرض من تحتنا على وقع قصف عنيف كان يستهدف مرفأ الأوزاعي بالضاحية الجنوبية التي لا تبعد عن فندق البوريفاج كثيرا.. مبعوث الشروق اليومي إلى لبنان: رشيد ولد بوسيافة قبل 24 ساعة من القصف العنيف على الضاحية كانت الطائرات الإسرائيلية قد أطلقت منشورات على سكان أربعة أحياء في الضاحية الجنوبية، لا زالت مأهولة، وهي حي ماضي وحي السلم وبرج البراجنة وحارة حريك، أجواء من الخوف والقلق عمّقتها تهديدات إسرائيل باستهداف القسم الشمالي من بيروت وهو الذي لم يستهدف إلى حد الآن، وسرعان ما تحول الأمر إلى تحدي، خصوصا بعد خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي اختار هذه المرة أن يكون واضحا ودقيقا أكثر من أي وقت مضى حين قال للإسرائيليين "إذا استهدفتم عاصمتنا سنستهدف عاصمتكم، إذا استهدفتم بيروت سنستهدف تل أبيب".. ارتياح واسع وفرح في أوساط اللبنانيين بخطاب نصر الله وهم يعلمون أن الرجل إذا وعد وفى، ويعلمون كذلك أن إسرائيل لن تتجرأ على قصف عمق العاصمة اللبنانية، لأن عاصمتها ستكون تحت رحمة صواريخ حزب الله وعندها ستكون الكارثة في إسرائيل، لأن شعبها أكثر شعوب العالم جبنا، رغم مورثات الإجرام التي لا تحصى في تكوينهم!! ثلاث ساعات من القصف على مرفأ مهجور! استمر القصف على فترات متقطعة، وفي الضاحية الجنوبية وحدها سقط ما يزيد عن ثلاثين صاروخا، دكت محيط مرفأ الأوزاعي، وقد تنقلت "الشروق اليومي" في الصباح إلى المنطقة وعاينت المكان، وذهلت أمام هول الدمار الذي لحق بمراكب الصيد المملوكة للخواص، حيث تم تدمير 160 مركب كليا. وحسب مدير المرفأ السيد جمال عليمي الذي كان متواجدا بعين المكان، والذي أكد أن القصف من الطائرات الحربية والمروحيات التي كانت تطلق الحمم على المرفأ معتقدة أنه موقع لحزب الله وهو ليس كذلك، حيث أن الهجوم لم يسفر عن شهداء لا في صفوف المدنيين ولا المقاومين، وإنما طال نقطة للمراقبة تابعة للجيش اللبناني، مما أسفر عن استشهاد عنصر من الجيش وجرح آخرين. المراكب التي وجدناها في المكان كانت كلها مفحمة ولم تعد قابلة للإصلاح وهو ما يعني أن الهدف من القصف لم يكن استهداف المقاومة، وإنما إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في ممتلكات اللبنانيين، وهو ما عبّر عنه بلال حسن مصطفى وهو مسؤول مركب وقد دمر مركبه وكان متأثرا كثيرا، لأن المركب كان المصدر الوحيد لإعالة عائلته.. بلال حسن قادنا إلى مركبه الذي لم تبق منه إلا قطعة من الهيكل الخارجي، لأن الصاروخ أصابه بشكل مباشر وبعثر أجزاءه في كل الاتجاهات على بعد عشرات الأمتار، ووجدنا قطعة منه في مدخل المرفأ الذي دمرته الطائرات الحربية على الآخر. إسرائيل ترد على نصر الله بقصف مداخل شمال بيروت كان واضحا أن استهداف الجيش الإسرائيلي لبعض الجسور التي تربط بيروت بالشمال اللبناني، جاءت في سياق الرد الإسرائيلي على خطاب السيد نصر الله باستهداف تل أبيب إذا تم استهداف العاصمة اللبنانية، غير أنه من الواضح كذلك أن حكومة أولمرت لم تغامر بتنفيذ تهديداتها بقصف عمق العاصمة، مما يعني أنها أخذت تتوعد نصر الله بجدية كبيرة وفي نفس الوقت أرادت أن تفعل شيئا لتعطي الانطباع أنها لم تذعن لتهديد نصر الله. وقد قامت "الشروق اليومي" أمس، كذلك بجولة على الجسور التي تم تدميرها، حيث انتقلت إلى جسر المعاملتين وجسر الكازينو المتقاربين ويقعا على بعد 30 كلم شمال بيروت ووقفت على هول الدمار، وفضاعة الجريمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي الذي قصف الجسور في وقت كانت حركة السير ناشطة فوقها، خصوصا وأن هذه الجسور تقع في منطقة لم تستهدف إطلاقا من طرف الطيران الإسرائيلي. الحركة في المناطق القريبة من الجسور المستهدفة كانت شبه منعدمة بسبب التخوف من إعادة الكرة وكانت السيارات تتجنب المرور عبر الجسور وإن اضطرت إلى ذلك، فبسرعة فائقة جدا. وجدنا في موقع الهجوم على جسر المعاملتين الدكتور عبد المنعم يوسف مدير عام الاتصالات بوزارة الاتصال في الحكومة اللبنانية وتحدثت إليه "الشروق اليومي" عن الخسائر التي تكبدتها لبنان إلى الآن في مجال الاتصالات، فكشف أن خسائر البنية التحتية في مجال الاتصالات تراوحت من 90 إلى 100 مليون دولار وهذا منذ بدء العدوان الإسرائيلي، علما أن استثمارات لبنان في هذا المجال بلغت 1.2 مليار دولار. وفي موقع الهجوم وجدنا فرقة تقنية تقوم بإصلاح الألياف البصرية التي يبدو أن الجيش الإسرائيلي تعمد استهدافها لقطع الاتصالات بين بيروت ومدن الشمال، حيث تم قطع 420 من الألياف البصرية وهو ما أدى إلى انقطاع الاتصالات في الهاتف النقال على 300 ألف مشترك في الساعات الأولى للهجوم. وقال مسؤول الاتصالات إن المصالح التقنية سارعت إلى إصلاح العطب وهو نوع من أنواع المقاومة ضد إسرائيل، حسب ذات المسؤول، غير أنه تخوف من إعادة إسرائيل للكرة. مآسي إضافية ولاجئون جدد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على بيروت تسببت في مآسي جديدة للبنانيين، خصوصا أولئك الذين فروا من جحيم القصف في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية، ولجأوا إلى شمال بيروت، ومع توسع نطاق القصف تضاعف عدد النازحين، حيث تدفقت دفعات جديدة من الأحياء الواقعة في الضاحية الجنوبية إلى الشوارع الرئيسية في بيروت الشمالية ومنهم من افترش العراء أمام إمكانيات التكفل المحدودة. والتخوف الكبير الذي عبر عنه كل الذين تحدثنا إليهم من مسؤولي إغاثة هو من تنفيذ إسرائيل تهديداتها بقصف عمق بيروت المكتض بالنازحين وحذر هؤلاء من مذابح جديدة إذا ما حدث ذلك، وهي مسؤولية تقع على المجتمع الدولي عامة الدول العربية على الخصوص، التي تكتفي إلى حد الآن بالمساعدات الإنسانية التي لا تصل إلى اللبنانيين المحاصرين في القرى الجنوبية. إن اللبنانيين اليوم، في أمس الحاجة إلى دعم سياسي من خلال قرار عربي حازم يتم من خلاله استخدام نفوذ العرب لدى أمريكا لوقف المجازر في حق اللبنانيين، وإلا فليحتفظوا بأكياس الفرينة والحليب عندهم!!