اعتبر الصحفي والخبير البريطاني في شئون الشرق الأوسط ديفيد هيرست أن الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان على مدى 33 يوما هي الأهم التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ حرب عام 1948؛ حيث مثلت إعلان فشل لإستراتيجية الردع التي تعتمد عليها الدولة العبرية في بقائها. محمود هاني ورأى هيرست أن كسر المقاومة للشوكة الإسرائيلية ألهب حماسة الشعوب العربية ويسهم في جعلها "أكثر راديكالية" وهو ما ينذر بثورات ضد النظم القائمة. وقال هيرست المراسل السابق لصحيفة الجارديان البريطانية في الشرق الأوسط لعدة سنوات: "لم يكن هناك جديد بشأن الهدف الرئيسي من وراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وهو إحداث تغيير جذري في البيئة الإستراتيجية والسياسية والعسكرية التي أصبحت إسرائيل تعتبرها خطرا على مستقبلها، وذلك من خلال تدمير حزب الله". وأضاف في مقال نشرته الصحيفة الخميس 17-8-2006: "لم يكن أيضا هناك جديد بشأن الطرق المستخدمة، سواء باستخدام العنف الشديد، ليس فقط ضد خصمها العسكري ولكن ضد المدنيين والبنية التحتية، أو بشأن التبرير الرسمي لأفعالها باستغلال (عمل إرهابي) واحد للرد بكل تلك القوة"، معتبرا أن العنف المتزايد الذي كان سمة الحملة العسكرية الإسرائيلية لم يكن فيه أي جديد هو الآخر "فهذا هو طابع الصراع العربي الإسرائيلي". وأردف هيرست قائلا: "ولم يكن من المفاجئ أن تحظى إسرائيل بدعم دولي أو حتى بتعاون، ولو أن أمريكا وبريطانيا لم يسبق أن وقفتا إلى جانب إسرائيل بهذا الشكل"، معتبرا أن "جذور الأزمة اللبنانية بالنسبة لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ليست في إسرائيل، بل في العالم العربي والإسلامي. وحزب الله بالنسبة لها ليس إلا رمزا للإرهاب ووسيلة في يد إيران وسوريا تستخدمانها لأهدافهما الشخصية، سواء كانت أيديولوجية أو سياسية محضة". إستراتيجية فاشلة واعتبر هيرست أن "الحرب التي بادر العرب بتسميتها الحرب السادسة في رأي البعض منهم، وبعض الإسرائيليين أيضا، تحتل المرتبة الثانية بعد حرب 1948 من حيث أهميتها الإستراتيجية والسيكولوجية ونتائجها السياسية". وأوضح: "منذ السبعينيات، عندما فقدت الدول العربية العزيمة والقدرة على خوض حروب كلاسيكية، انصب عنف إسرائيل ضد الفلسطينيين. وبصفة عامة، تستخدم إسرائيل العنف للمحافظة على كل مكاسبها، على حساب الفلسطينيين، علما بأن العنف هو الذي أتى بتلك المكاسب في البداية". واستطرد الصحفي البريطاني قائلا: "بالنسبة لدولة لا تعتمد في بقائها على قبول جيرانها، بل على استعراض قوتها وسلاحها باستمرار، من المهم جدا حفاظها على قوتها الرادعة بهزيمة خصومها باستمرار". ومضى يقول: "ما جعل من أسر حزب الله لاثنين من الجنود الإسرائيليين في 12 يوليو أمرا غير محتمل من وجهة نظر إسرائيل، ليس أنه (عمل إرهابي) وإنما لأن تركها تمر دون الرد المناسب عليها كان سيشكل لطمة شديدة لقوة الردع الإسرائيلية". لكن "الجديد والدراماتيكي أيضا" –بحسب هيرست- في الحملة التي شنتها إسرائيل "هو نتيجتها؛ فمع نقاط الضعف غير العادية في هذا الرد لم تفشل إسرائيل فقط في إصلاح قوتها الرادعة، وإنما قوضتها كما لم يحدث من قبل". وتابع: "حزب الله حقق ذلك من خلال طرق متعددة. فعلى المستوى العسكري، تمكنت هذه الجماعة غير النظامية الصغيرة من التصدي لأحد أقوى جيوش العالم، وألحقت به خسائر فادحة من خلال خليط من المهارات المحترفة والإبداع والجرأة والإعداد الدقيق والاستخدام الأمثل للصواريخ المضادة للدبابات والتنظيم العبقري والدفاعات المعقدة تحت الأرض". الشعوب أكثر راديكالية غير أن الخبير البريطاني اعتبر في الوقت نفسه أن أداء حزب الله في حد ذاته لم يكن هو من غير توازن القوى في المنطقة الذي كان يميل لصالح إسرائيل "وإنما المثال الذي أعطاه لمنطقة الشرق الأوسط كلها". وأوضح قائلا: "بأسلوبه الخاص، أصبح حسن نصر الله الآن بطلا عربيا ملهما أكثر من الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر؛ حيث إن إنجاز حزب الله ترك انطباعا بالحماسة لدى الشعوب العربية والإسلامية يعبر هوة الانقسام الشيعي السني المتنامي في المنطقة ويساهم في جعل هذه الشعوب أكثر راديكالية وثورة ضد النظام القائم كله، وذلك إذا لم تمتص الأنظمة العربية هذا الشعور". وذكّر هيرست بأن "العاهل الأردني الملك عبد الله الذي اقترف نفس الخطأ الذي وقع فيه الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما اتهما حزب الله علنا بالقيام بمغامرات غير محسوبة، وأعربا (ضمنا) عن الأمل في أن تقوم إسرائيل بمعاقبته -أقر بأنه إذا سارت الأمور على ما هي عليه فإن حزب الله جديدا سيظهر وإن بلاده من الأماكن المرشحة لظهوره". ورأى مراقبون ما يشبه محاولات رسمية عربية لامتصاص الحماسة الشعبية بتطويع الخطاب الرسمي في اتجاه دعم المقاومة بعد أن عبرت بعض الدول رسميا في بداية الحرب عن انتقادها لقيام حزب الله بأسر الجنديين الإسرائيليين باعتباره سبب العدوان الإسرائيلي. ففي مصر، على سبيل المثال، رأى قياديون بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أن هزيمة إسرائيل بات في إمكان العرب تحقيقها، بعد أن أثبت حزب الله أن أسطورة الجيش الذي لا يقهر أصبحت وهما، وأن إستراتيجية حرب العصابات والمقاومة الشرسة هي الوسيلة الأجدى لقهر غطرسة إسرائيل. واستشهد هيرست في النهاية بكلام مؤمن رباني المحلل بالمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات الذي قال فيه: "الرأي العام في المنطقة يقول لهذه الأنظمة: إذا كان حزب الله يحقق في الميدان أكثر مما تحققونه أنتم على مائدة المفاوضات في الوقت الذي تملكون أنتم فيه المزيد من الوسائل بين أيديكم، فما الذي تحققوه إذن؟!".