يكون النواب الأتراك قد تحولوا إلى محامين بامتياز ومن الدرجة الأولى عن الجزائريين وهم يردون على النواب الفرنسيين، حيث راح رئيس اللجنة القضائية في البرلمان التركي يقترح قانونا يعاقب بالسجن كل من ينفي وقوع المجازر التي ارتكبها الجيش الفرنسي الإستعماري في حق الجزائريين خلال الفترة الإستعمارية. إبراهيم قارعلي صحيح أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول تقوم على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، حيث أن نواب تركيا قد استنكروا مشروع القرار الفرنسي الذي ينص على معاقبة كل من ينفي وقوع جرائم الإبادة في حق الأرمن خلال فترة الدولة العثمانية. ولكن للأسف الشديد أن الجزائريين من خلال نوابهم وحتى حكوماتهم المتناسخة لم يكن بمقدورهم أن يعاملوا فرنسا بالمثل وفق الأعراف الديبلوماسية حين أقرّ النواب الفرنسيون قانون العار الذي يمجّد الفترة الإستعمارية. لقد كان من المقرف جدا، أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك يرفض كلمة الإبادة الجماعية التي نطق بها الرئيس الجزائري، ومع ذلك يطلب من الأتراك أن يعترفوا بإبادتهم للأرمن مقابل الإنضمام إلى الإتحاد الأوربي، في الوقت الذي تريد فيها فرنسا أن تبرم مع الجزائر معاهدة صداقة من غير أن تعترف بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في حق الجزائريين خلال الفترة الإستعمارية. يبدو الأمر في غاية من السخرية الكاريكاتورية، حين يتخلى الجزائريون عن الدفاع عن ذاكرتهم التاريخية، ويصبح سواهم يدافع عنهم حتى ولو تعلق هذا الأمر بتاريخهم المشترك. ولكن ليس غريبا أن ترد تركيا على فرنسا التي ترفض أن تعترف بجرائمها في الجزائر وتطالبها بالاعتراف بجرائمها في حق الأرمن. بحيث أن الأتراك يكونون قد عرفوا كيف يمسكون الفرنسيين من اليد التي تؤلمهم. وكأنهم قد تقدموا إلينا بحماية تاريخية بعدما عجزنا عن حماية تاريخنا! لم يخجل شيراك من نفسه ولو على سبيل الأعراف الدبلوماسية، حين يطالب الحكومة التركية بفعله في الوقت الذي كان يجدر أن يفعله قبل أن يطلبه من غيره. ومن المخجل أيضا أن الرئيس الفرنسي يغازل أربعمائة ألف من الفرنسيين ذوي الأصول الأرمينية في حين يجرح مشاعر ما يقارب المليون نسمة من الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا ولا يتردّد من أن يخدش ذاكرتهم وهو يفضل الأرمن على الجزائريين على الرغم من أن الإبادة الجماعية لا تختلف من مكان إلى آخر، كما أنها لا يمكنها أن تسقط بالتقادم! لقد سبق للرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، أن وصف الإتحاد الأوربي بالنادي المسيحي، حين أرادت تركيا "الإسلامية" أن تنضم إليه، وها هو الرئيس جاك شيراك يستعمل الورقة التاريخية ضد تركيا مرة ثانية! إن مثل هذه الحقائق وخاصة الدينية والتاريخية منها، تؤكد أن تركيا لا يمكنها أن تخرج من فضائها الحضاري حتى ولو أرادت ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجزائر لا يمكنها أبدا أن تصبح صديقة لفرنسا حتى ولو اعترفت بجرائمها مثلما يطالبها الجزائريون بذلك! والحقيقة، أن تركيا لا يمكنها أن تكون قوية إلا بجيرانها من العرب والمسلمين، فالتاريخ يؤكد أن تركيا لم تصبح إمبراطورية عظمى إلا بالجزائر التي كانت تصول وتجول وحدها في البحر الأبيض المتوسط، بل إن الإمبراطورية العثمانية قد سقطت بعد ما احتلت فرنساالجزائر. .. ليس عيبا أن يصبح الأتراك جزائريين أكثر منا!.. ولكن العار كل العار أن نصبح نحن فرنسيين أكثر من الفرنسيين أنفسهم، نتودد إليهم وندافع عن مصالحهم أكثر مما يدافعون هم أنفسهم عنها.