مشاريع القوانين المصادق عليها في اجتماع مجلس الوزراء الأخير في إطار الإصلاحات السياسية المزعومة التي يجريها النظام لصالح نفسه، تؤكد مرة أخرى نهج هذا النظام الثابت في البقاء، والاستمرار على نفس المواقف والسياسات تجاه البلد والرعية، دونما أمل في التجدد، فما بالك بالتبدد... * وكلما زاد الأمر إلحاحا على التغيير، وطلب إصلاحات حقيقية كلما أغرق في العناد والتصلب. وهكذا جاءت هذه القوانين لتعبر عن هذه الحالة، وبأسوأ ما كانت عليه في السابق، خاصة ما تعلق بمشروع قانون الأحزاب الذي جاء أشد إقصاء وغلقا لمجال الممارسة السياسية الديمقراطية، وأكثر تضييقا على حرية إنشاء الأحزاب ونشاطها من القانون الذي سبقه. ومشروع قانون الإعلام، بغموضه وعدم جديته والتضليل والمراوغات التي يتضمنها في مجال تنظيم الصحافة المكتوبة، والوسائط المتعددة، وفتح مجال السمعي البصري تجعل من القانون السابق الصادر سنة 1990 حلما بعيد المنال، بالنسبة للصحافيين وعامة المجتمع، الذي يرغب في الخروج من ظلمات الوضع الحالي. ثم إن المعروف في الجزائر، منذ الاستقلال، أن النظام يشرع القوانين بالجملة والتفصيل، جميلة كانت أم بشعة، ولكنه لا يحكم إلا بشريعة الغاب. * والمضحك المبكي، أو شر البلية، في هذه القوانين، أن بيان مجلس الوزراء الصادر بشأنها يلح على أن "المشرع" أخذ بعين الاعتبار في إعدادها كل الآراء والمقترحات التي تقدمت بها الأحزاب والشخصيات المستشارة، خلال جلسات لجنة عبد القادر بن صالح، رغم أن هذه الأحزاب والشخصيات كانت تصرح علنا في حينه، بتقديم اقتراحات مخالفة تماما لما ينسب إليها اليوم في مشاريع هذه القوانين، وهذه سياسة فتنة ونميمة ونفاق دأب النظام على ممارستها منذ طرح الميثاق الوطني للنقاش والاستفتاء، سنة 1975 إلى اليوم، وفي كل حراك أو استحقاق سياسي يدبره لإعادة رسكلة نفسه في المجتمع والسلطة. * وإن ما يجري اليوم على الأرض في موازاة هذه الحالة السياسية الجديدة، تحت غطاء الإصلاحات، يعبر عن النية الحقيقية والمبيتة في استغلال الاحتقان السياسي والاجتماعي الداخلي، والوضع في المحيط العربي والدولي، لإحكام القبضة من جديد على المجتمع وحسره في الزاوية الضيقة.. ما يجري أن النظام باشر في استعمال وسائله وأدواته المعروفة المنتشرة أفقيا في البلاد، من أجل العودة إلى العهد الحالك ل"الأدياك" أو المندوبيات التنفيذية المجالس الاستشارية التي نصبها خلال نهاية القرن الماضي، بدل المجالس المنتخبة، وأعاثت فسادا في البلاد. إنه يعود إلى هذه الممارسة، ولكن بعزم على القضاء على الحياة الحزبية والممارسة السياسية التنافسية، من خلال الحملات الجارية عبر كامل البلاد، ضد الأميار والمنتخبين، الذي أصبحوا يتعرضون يوميا للاعتداءات والضرب بالهراوات، وفي يوم أمس وأول أمس فقط، تعرض أميار في شرق البلاد وغربها إلى الضرب، الذي أدى إلى العجز بشهادة الطبيب الشرعي، وإلى محاولة الحرق برش البنزين، وإضرام النار كما وقع لأحد الأميار في ولاية تيارت، على الرغم من انتماء هؤلاء إلى أحزاب الائتلاف الرئاسي، وبقية الأحزاب المتواطئة مع النظام، والذين تجري الاستعدادات على قدم، وساق لتعويضهم في الانتخابات القادمة بمندوبين جدد، من خلال قوائم سيدعي النظام أنها للمترشحين الأحرار، بعد أن تكون صورة الأحزاب قد شوهت بالكامل لدى الناخبين. * صحيح أن أحزاب الائتلاف الرئاسي تستحق النحر السياسي، لما فعلته وتفعله بالبلاد وبالسياسة والممارسات السياسية، منذ أكثر من عشر سنوات، لكنه الحق الذي يريد به النظام باطلا للبلاد والعباد.. أم إن الجزائر والشعب الجزائري يستحقان هذا الجزاء!!؟