هل يعلم وزير النقل ووالي العاصمة بأن محطة الميترو بحي البدر والذي من المنتظر أن تشرع قاطراته في السير بداية نوفمبر المقبل، لا يفصلها سوى جدار عن أتعس حي قصديري بولاية الجزائر؟ وهل يعلم المسؤولون الذي ظلوا يتباهون ويتفاخرون بمشروع الميترو الذي سيقضي - حسبهم - على أزمة النقل في العاصمة، والذي كلف ملايير الدولارات، كونه يتوفر على منشآت عصرية ومتطورة، وآخر ما جادت به التكنولوجيا أن أكثر من 400 عائلة تقبع بمحاذاته داخل "ڤيتوهات" عنوانها الفقر والبؤس والضياع وكل المصطلحات التي لا تسر العدو قبل الحبيب؟ * هي تساؤلات يطرحها سكان الحي القصديري بمزرعة بن بولعيد في بلدية المقرية مع اقتراب موعد تسليم مشروع الميترو، المقرر نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر المقبل، بعد ما تسرب اليأس إلى نفوسهم الحائرة، وهم الذين ظلوا متشبثين بخيط أمل "الترحيل" طيلة مكوثهم بهذه "البقعة المنبوذة" التي حتى وإن آوتهم واحتضنتهم، في ظل تنكر وتنصل الجميع منهم، إلا أنها لم تبخل عليهم أيضا بمختلف أنواع الأوبئة والأمراض، وتفننت ظروف العيش الصعبة في قهرهم، وحرمانهم من الحياة الكريمة طيلة 20 سنة كاملة، يقول السكان ل"الشروق اليومي" التي زارتهم أول أمس "أنهم لم يذوقوا فيها طعم الاستقلال والحرية، فالمياه القذرة تحاصرهم، والأمراض أنهكت أجساد أبنائهم، والحشرات الضارة تشن غارات عليهم باستمرار"... أو ليس هذا استعمار من نوع خاص؟ يقول "حميد.ب" ممثل السكان. * ولا تتوقف معاناة سكان الأكواخ مع أمراض الربو والحساسية وغياب قنوات الصرف الصحي. بل تتعداها إلى انعدام أبسط ضروريات العيش الكريم، خاصة وأن مساكنهم مشيدة بالزنك والصفيح وأسقفها عبارة عن بلاستيك مدعم بالحجارة والطوب حتى لا تتطاير مع هبوب أولى الرياح. * ويزداد توجس السكان وخوفهم مع حلول فصل الشتاء الذي يتحول فيه الحي إلى مستنقع كبير، فالأوحال تملأ المكان ولا مجال للسير داخله، ناهيك عن تسرب مياه الأمطار إلى داخل الأكواخ الهشة، حيث يقضي قاطنوها أيامهم في حالة طوارئ استعدادا لأي كارثة محتملة. * الوضعية المأساوية لسكان الحي القصديري بمزرعة بن بولعيد بالمقرية لم تعد خافية على أحد، فحالهم كحال قاطني الأكواخ الفوضوية المنتشرة عبر ربوع الوطن، ومشاكلهم واحدة وربما أكثر حدة، خاصة وأن مشروع الميترو زاد من غبنهم بعد ما كانوا يعلقون آمالا كبيرة عليه باعتباره سيكون دافعا لترحيلهم، غير أن العكس هو ما حدث. * ويضيف السيد "حميد.ب" ممثل السكان أنه في آخر لقاء جمعهم مع الوالي المنتدب لحسين داي، وعدهم بالترحيل، وخاصة أولئك المقيمين بمحاذاة جدار الميترو، غير أن المسؤولين ترددوا في ذلك خوفا من وقوع "فتنة" ونشوب مشاكل لا تحمد عقباها، ولذلك تم تأجيل العملية، كما برمج في وقت سابق ترحيل حوالي 50 عائلة لم يتم ربطها بالكهرباء، وهي تقطن غير بعيد عن محطة الميترو بحي البدر، غير أن لا شيء تحقق حتى الآن، وبقيت هذه العائلات تعاني على جبهتين: غياب الكهرباء وعدم الترحيل، والأصعب من ذلك أن الأكواخ المحاذية لجدار الميترو مهددة بالانهيار في أي لحظة نظرا للتجارب اليومية لعربات وقاطرات الميترو التي تشغل من حين لآخر. * من جهة أخرى، فإن مسؤولي الميترو اشتكوا عدة مرات من تسرب المياه القذرة إلى داخل المشروع، حيث تحول الأمر إلى هاجس يؤرقهم، لكن ذلك لم يساهم في إنهاء المشكل وبقيت الوضعية على حالها. * سكان أكواخ بن بولعيد وبعد الانتهاء من برنامج إعادة الإسكان الذي سطرته ولاية الجزائر والذي استثناهم وأقصاهم -على حد تعبيرهم- طالبوا بالترحيل العاجل، وهددوا بالاعتصام أمام محطة الميترو يوم افتتاحه رسميا، إذا لم تستجب السلطات لمطالبهم.