الحكومة قررت أن يدفع كل جزائري يريد ركوب الميترو، تذكرة تقدّر ب50 دينارا، بمعنى أنه بعد كل هذه السنوات من صداع الراس وقطع الطرق، والاحتباس المروري، والقيل والقال وكثرة السؤال، لن تكون الاستفادة من الميترو العظيم، جماعية، مثلما كانت المعاناة، بل فردية لمن استطاع إليه سبيلا. * الجزائريون قبل الميترو وبعده، مضطرون للتفكير في وسيلة نقل تحفظ لهم كرامتهم، حتى وإن سلبتهم مزيدا من الأموال، وانتهكت حقوقهم الآدمية، وجعلتهم لا يساوون ثمن التذكرة التي يركبون بها حافلات تحوّلت إلى علب موتٍ متنقلة، يضطر الناقلون الخواص والعاملون فيها إلى التوقف والإضراب أكثر مما يشتغلون خلال السنة.. والسؤال، إن كان هذا الأمر يحدث في العاصمة، فما بالك بالمناطق النائية والبلديات الفقيرة، والقرى المعزولة والمداشر التي ما يزال آلاف المواطنين فيها ينقلون زوجاتهم الحوامل على متن سيارات المازدا، ويذهب أولادهم وبناتهم للدراسة على متن الجرارات الفلاحية، وهؤلاء الزوالية لا يعرفون عن الترامواي والميترو ووسائل النقل الحديثة إلا ما يرونه على شاشة التلفزيون، أو ما يسمعونه في كل ليلة، من وزير النقل حين توفّر له نشرة الثامنة دعاية تضليلية محكمة عن الإنجازات العظيمة في قطاعه منذ تولى المسؤولية! * الأدهى والأمرّ هو ادّعاء الحكومة أو من يدور في فلكها، أنها حريصة على البيئة، ومكافحة التلوث أشدّ الحرص، فتدعو المواطنين إلى يوم بلا سيارات، في الوقت الذي كان فيه على هذه الحكومة أن تفكر في مواطنين آخرين يعانون هذه الأيام، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، في تيسمسيلت، وأرزيو بوهران، ومستغانم، وغيرها من المناطق، من أيام بلا وسائل نقل أصلا، بفعل الإضرابات المتكررة، لأسباب مشروعة أحيانا وغير مشروعة في أحيان أخرى؟! * لماذا لا تُفكّر الحكومة في يوم بلا احتجاجات، ولا انتحارات، ولا حرڤة، أو حتى في يوم بلا تلفزيون، وبلا نشرة الثامنة التضليلية التي تعمل على إفساد الأمور أكثر مما هي فاسدة في الواقع، بل وتمارس الكذب والتضليل، وتُجهز على ما تبقى من مواطنين لم تقض عليهم السلطة بقراراتها العبثية! لماذا لا تفكر الحكومة في يوم بلا بيروقراطية ولا إرهاب إداري، وبلا فساد، ولا كبت للحريات، أو محاكمات للصحفيين الشرفاء، وفي يوم بلا تصريحات كاذبة من وزراء وولاة ونواب وأميار، وفي يوم بلا أحزاب مدجّنة، ولا بيانات أو فاكسات للمعارضة المزيفة والموالاة المشينة..لماذا لا تفكر الحكومة في يوم بلا حكومة؟!