انتهى القذافي.. ويعتقد الثوار ويزعمون أن بنهايته انتهت الحرب في ليبيا، غير أن نهاية القذافي كانت مغايرة في الشكل والمضمون لنهاية سابقيه من رؤساء الدول الذين استهدفتها الثورات العربية، فالرئيس التونسي زين العابدين بن علي هرب وفر بجلده، أما الرئيس المصري حسني مبارك فاستسلم وسلم أمره للجيش وانتهى الأمر به في المحاكم والمحاكمة، هذه النهايات المتباينة كشفت أن طينة الحكام تختلف حتى وإن تقاسموا وصف الديكتاتورية وحب الزعامة. * من غرائب المفارقات أن يقتل معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي على يد الثوار وبتدبير من الناتو، بنفس المدينة التي ولد بها، بعد أن حكم بلاده لمدة طالت نحو 42 عاما، نهاية القذافي، هذا الرجل غريب الأطوار تفرض علينا الوقوف في مقارنة بسيطة عند نهايات حكام الدول التي ثارت شعوبها عليها، فمن الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي، مرورا بالرئيس المصري المتابع قضائيا، وصولا إلى الزعيم الليبي الذي لقي حتفه، نستخلص أن الحكام أحيانا يختارون مصيرهم، فالتاريخ سيسجل للقذافي أنه فضل الموت على تراب بلاده عوض الفرار، كما سجل التاريخ لبن علي أنه فر بجلده وبعد أن دخل رئاسة تونس غاصبا خرجها هاربا، كما سجل التاريخ أيضا مشاهد إذلال مبارك وهو في قفص الاتهام. * * القذافي الذي جاء إخراج سيناريو نهايته مشابها إلى حد بعيد لنهاية الرئيس العراقي السابق صدام حسين، صادف أن يقتل قبل 18 يوما من الذكرى الخامسة لمقتل صدام، تقاطع مصير الرجلين يشمل كذلك حضور العقل واليد الأجنبية في التدبير فصدام كانت أمريكا العقل المدبر لنهايته، والقذافي كان الناتو وراء تصفيته. * * بعيدا عن وجه التشابه هذا، نجد صورا مختلفة ومتباينة وأحيانا متشابهة بين الزعيم الليبي ورئيسي تونس ومصر المخلوعين، فمعمر القذافي صمد 8 أشهر رغم قصف طائرات حلف الشمال الأطلسي، ورغم أجهزة الرصد وردارات الناتو تمكن من أن يصول ويجول في صحراء ليبيا، عكس الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي رغم أنه جهر لشعبه المحتج والمعتصم بالشارع أنه "فهمهم" إلا أنه سقط في ثلاثة أسابيع فقط، وانبطح أمام مسيرات شعبية تونسية محضة، لم يحضرها لا الناتو ولا حلف وارسو المندثر في مدة لم تتجاوز الثلاثة أسابيع. نفس المشهد سجلته مصر، فمبارك انهار في 17 يوما فقط، في أقصر ثورة يعتقد أصحابها أنها أبهرت العالم، فمبارك سقط سقوطا حرا أمام مسيرات مليونية، ولم تكن المؤسسة العسكرية المحسوب عليه حصنا منيعا له، وأعلن تنحيه بعد 17 يوما من المطالبة الشعبية الصريحة بمغادرته وفي غياب الناتو كذلك. * * مشهد آخر للاختلاف يظهر في رفض القذافي صفقة عرضت عليه للحفاظ على حياته في مقابل الرحيل من بلاده، غير أنه رفض فنزويلا ورفض عروض دول إفريقية أخرى، وفضل البقاء رغم الانكسارات المتوالية، بالمقابل فر زين العابدين بجلده وفضل حياته على بلاده، فغادر إلى وجهة غير معلومة وبقيت طائرته تحوم في السماء قبل أن تتنازل المملكة العربية السعودية وتوافق على استقباله بشروط، وفق منطق "ارحموا عزيز قوم ذل"، ليكون بذلك زين العابدين قد ارتضى لنفسه المنفى الإرادي، وحتى بقاء مبارك بمصر لم يكن وليد إرادته، لأن مطلب الشعب المصري بمحاكمته كان قدرا محتوما وليس اختياريا. * * بن علي خاطب التونسيين بالتي هي أحسن، وحاول أن يمتص غضبهم وقال "يزي من الكرتوش الحي" ومبارك تحدى المصريين معلنا أنه حائز على دكتوراه في العناد، أما القذافي فأعلنها حربا ضارية غير آبه بمطالب شعبه منذ أول خطاب عندما نعث الثوار "بالمڤملين والجرذان" وقال "سنلاحقكم دار دار زنقة زنقة" وظل على رأيه إلى حين حتفه. * * من أوجه التشابه بين العينات الثلاث نجد أن القذافي حكم بلاده عبر انقلاب عسكري على الملكية الدستورية وأطاح من خلاله بحكم الملك إدريس، من منصبه كقائد أعلى للقوات المسلحة، نفس المسار ووفق سياسة الانقلاب دائما دخل زين العابدين الهارب الرئاسة التونسية غاضبا عبر انقلاب أبيض نفذه في حق الرئيس بورقيبة، أما رصاصات خالد الإسلامبولي التي استقرّت في صدر السادات فقد أنزلت قائد سلاح الجو حسني مبارك على كرسي الرئاسة المصرية، وفي المشاهد الثلاثة وإن اختلفت الأماكن فالعنف كان حاضرا. * * "ملك ملوك افريقيا" الذي أثارت أفكاره الكثير من الجدل في داخل وخارج ليبيا، لمدة زادت عن أربعة عقود زعم فيها أنه يقود ولا يحكم.. انتهى القذافي وانتهت معه حكاية حاكم جائر، ليترسخ الاعتقاد أكثر من أي وقت مضى أن الحاكم الجائر أمامه ثلاث خيارات، إما النفي أو السجن او القتل.