كلما أوشكنا على طي صفحة من سنوات عمرنا وعمر الجزائر والبدء بأخرى إلا وكان التوقف من أجل تقييم الذات والمشوار، وتثمين الإنجازات وتصحيح الأخطاء، هكذا يفعل البشر وهكذا تفعل الوزارات والمؤسسات والجمعيات، كلنا نتطلع لسنة أخرى مختلفة ومفيدة لأبنائنا وبناتنا، تطلّعٌ يأخذ بعين الاعتبار كل التحولات التي يشهدها العالم، وتلك التي يعيشها جيراننا، وكل التجارب التي مرت علينا عبر التاريخ، ويأخذ بالاعتبار حاجيات أبنائنا المتزايدة من سنة لأخرى. وضمن هذا المسعى توحي أولى معطيات سنتنا الجزائرية بأن الأمور ليست على ما يرام، وليست مثلما تشتهي الأنفس، ولا في المستوى الذي تؤهلنا له قدراتنا وطاقاتنا وطموحاتنا، ولا يبدو أن السنة القادمة ستكون أفضل إذا لم نتحلَّ بالجرأة والشجاعة لتغيير ما يجب تغييره.. حققنا الكثير من الانجازات، تراجعنا في أمور وتخلفنا في أخرى خلال السنة الجارية، بل وتوقفت عجلة التغيير في عديد المجالات كأن قوة خفية من الداخل تسعى إلى تعطيل الآلة وتأجيل الإصلاح وتقاوم التغيير وترفض التصحيح، وتريد لنا العيش خارج مجال التغطية بعيدا عما يحفل به العالم من تغيّر عميق. في الرياضة تمر السنوات وتتشابه، وهاهي النتائج المتواضعة تلوح في أفق المشاركة الجزائرية في الألعاب العربية في الدوحة، نتائج متراجعة حتى في الرياضات التي كنا نعتبر أسيادها على المستوى العربي، وهو مؤشر كاف للتأكيد على التدهور الذي تشهده رياضتنا، بتواطؤ من سلطات عمومية راضية تقوم بتبرير الفشل كل مرة، وتصر على أنها على صواب! وبأنها وفرت كل الشروط المادية والتنظيمية لتألق شبابنا، وتلقي اللوم على اتحاديات لا حول و لا قوه لها، وعلى رياضيين مساكين.. سلطات تبتعد بسياستها كل يوم عن طموحات شبابنا وآمالهم.. اتحادياتنا الرياضية تغرق في المشاكل ونقص الموارد والمرافق، ومنتخباتنا ونوادينا في الرياضات الجماعية والفردية ترزح تحت نغمة "إلى الخلف دُرْ"، ويهجرها الإداريون والفنيون، ويتهرب من الانتساب إليها أبناؤنا، وذلك بسبب غياب أدنى ظروف الممارسة الحسنة، ولكم أن تسألوا عن كرة اليد التي لم تنطلق بطولتها بسبب مشاكل بسيطة، أو تسألوا عن ميزانيات اتحاديات الكرة الطائرة والسلة وألعاب القوى والملاكمة والجيدو والسباحة، وتسألوا عن جيل تائه وضائع لا يمارس الرياضة ولا يهتم بها، جيل استغرقته معاناته اليومية ومتاعبه ومشاكله الاجتماعية.. في كرة القدم مثلا يمكننا القول إن لا شيء تغير منذ مشاركتنا في المونديال ودخولنا عالم الاحتراف، فلا تزال النوادي تتخبط في مشاكلها المادية والتنظيمية، ولا زال المستوى متواضعا بالنسبة لغالبية مدربينا ولاعبينا، ولا زلنا لم نتخلص من المسيرين الفاشلين والمدربين غير المؤهلين.. أقصد أولئك الذين لا يدركون بأن الكرة صارت علما وأن الزمن تجاوزهم ولم يعد بمقدورهم التكفل بنوادينا ورياضيينا وشبابنا.. وضعية مرافقنا الرياضية تسوء من سنة لأخرى، مثلما هو الحال بالنسبة لملعب 5 جويلية الأولمبي الذي صار مزرعة لا تصلح حتى لرعي الغنم دون أن يحرك وضعُه غيرة أيّ من أصحاب الشهامة والغيرة والمسؤولية، والمرافق الموعودة لن ترى النور في السنة المقبلة ولا في التي بعدها، طبعا إذا تمت مواصلة العمل بالريتم الذي تسير عليه الأمور! فالمتابعة والمراقبة والصرامة غائبة عن ثقافتنا اليومية في مؤسساتنا وممارساتنا. المواسم الرياضية عندنا تتوالى وتتشابه والأسرة الرياضية الجزائرية تتألم وتتحسر على أوضاع تسوء من موسم لآخر.. سندخل بعد أيام السنة الأولمبية 2012 وسنشارك في أولمبياد لندن من أجل المشاركة، وسنشارك في بطولات قارية وإقليمية دون طموحات، وسنغيب عن كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، وسيبقى ملعب 5 جويلية على حاله، وستبقى الاتحادات ضائعة وتائهة تتخبط في مشاكلها وأزماتها ولن يتغير شيء.. وسنواصل التراجع والكذب على الأسرة الرياضية والحقد على بعضنا البعض. نفس الشيء ينطبق على الحركة الجمعوية، والأمر ذاته ينسحب على كل أحوالنا السياسية والاجتماعية والثقافية رغم امكانياتنا وقدراتنا ورغم الحراك الحاصل ورغم الوعود ورغم الحاجة، ورغم مشاريع القوانين التي يناقشها ويصوت عليها البرلمان، ولكنها لن تفضي حتما إلى حياة سياسية جديدة ومناخ اقتصادي وثقافي وإعلامي مختلف، ولن تلبي الآمال والطموحات لأنها لم تأتِ على أساس دراسة وتقييم سليم لأوضاعنا في مختلف المراحل.. الجزائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والإعلامية والثقافية بدءا من سنة 2012 ستكون في حاجة الى تقييم سليم وتفكير مختلف، وإلى نفس جديد ووجوه جديدة وأفكار متجددة.. في حاجة إلى جرأة في اتخاذ القرار وشجاعة في الاعتراف بالفشل والإخفاق.. والاعتراف بكل الأخطاء المرتكبة على كل المستويات في حق الوطن وأبناء الوطن..