تشهد دائرتا إينغر وعين صالح والمناطق الواقعة شمال ولاية تمنراست إلى حدود دائرة أولف بولاية أدرار، انتشارا مقلقا وخطيرا للأمراض النفسية والعصبية وسط السكان، خاصة القادمون منهم من ولايات الشمال الذين يشغلون مناصب إدارية في الجنوب الكبير. فمنذ أربع سنوات من استحداث مصلحة الصحة العقلية بمستشفى عين صالح، بدأ اكتشاف حالات متقدّمة من الإصابات بالأمراض العصبية وسط السكان منها العصاب المتمثل في الوساوس، الخوف والتعديل الهيستيري، كما تم تسجيل مئات الحالات من أمراض الدهان المسبب للهلاوس والعنف إلى درجة الانقطاع عن العالم. وحسب الدكتور عدان حميد، طبيب مختص في الأمراض العقلية بمستشفى عين صالح، فإن عدد فحوصات المرضى المصابين بأعراض نفسية وعصبية أو بداية الانهيار العصبي قدّرت ب 1400 فحص في السنة، منهم 441 يعانون من مرض عصبي مزمن يتابعون العلاج بالمستشفى عن طريق الحبوب والحقن اليومية والشهرية بالنسبة للحالات العدوانية، إضافة إلى إخضاع المصابين إلى التحليل النفسي للوقاية من الانتحار. وقال الدكتور إن المصابين بهذا النوع من الأمراض جلهم من مناطق عين صالح، تيت، فڤارة الزوا، إينغر، إيغستن، الساهلة وحتى من دائرة أولف التابعة لولاية أدرار، وذكر أن المصلحة تسجل ما لا يقل عن حالتين جديدتين من الأمراض العصبية في الأسبوع، مما يؤكد أن ظاهرة المرض متفشية بشكل لافت للنظر، كما أكّد أن الأشخاص القادمين من مدن الشمال أكثر عرضة للانهيار العصبي بسبب خصوصيات الصحراء كالعزلة وقساوة الطبيعة واختلاف العادات والتقاليد بين مناطق الشمال والجنوب، ومن بين المصابين بالانهيار العصبي -حسب معلومات من داخل مصلحة الطب العقلي- أطباء وموظفون في الإدارة وحتى بعض العسكريين وزوجاتهم، لكن هؤلاء لا يتابعون العلاج حتى النهاية لأسباب خاصة بهم، وقد انتحر عدد من الموظفين بسبب عدم قدرتهم على التأقلم مع قساوة الطبيعة في الصحراء الكبرى وإصابتهم بفصام الشخصية بسبب العزلة والانغلاق على النفس. أما الحالات المرضية المسجلة وسط سكان الصحراء فهي لا تقل خطورة عن الانهيارات العصبية بل تصل إلى حالة الجنون التي يتسبّب فيها تعاطي المخدرات، خاصة القنب الهندي المحدث للاضطرابات النفسية والهلاوس. وجل المصابين بالأمراض العقلية في منطقة تدكيلت يعانون من حالات مزمنة ومتقدمة إلى درجة العنف والخروج إلى الشارع، كونهم يلجؤون إلى العلاج التقليدي عن طريق الشعوذة والسحر بالدرجة الأولى، فخلال زيارتنا إلى مصلحة الطب العقلي بمستشفى عين صالح رأينا حالات من الشباب المصابين عصبيا تبلغ أعمارهم بين 15 إلى 25 سنة وقد تعرّضوا إلى أنواع بشعة من العلاج التقليدي كالحروق على الجسم وكدمات في الوجه، وهي الطرق التي تعتقد عائلات المصابينأنها ناجعة لإخراج "الجن". وتعود ظاهرة تفشي الأمراض العصبية والعقلية وسط سكان الصحراء -حسب الدكتور عدان حميد- إلى عدة أسباب خاصة الوراثة وزواج الأقارب كون المجتمع الصحراوي مغلقا فيما بين العائلات. وقال إن التأخر في العلاج من بين الأسباب التي تؤدي إلى تطور المرض الذي يبدأ بالعزلة والانطواء ثم الامتناع عن الأكل والنوم ويتحدث لوحده حتى يصل مرحلة العنف. كما حدث منذ شهرين تقريبا أين قامت سيدة مريضة عقليا بقتل طفلتها البالغة من العمر أربع سنوات، وكانت السيدة تتلقى العلاج بمستشفى عين صالح لمدة سنتين لكنها انقطعت عنه مما عقد حالتها النفسية والعصبية ووصلت إلى مرحلة العنف. وفيما يخص الموظفين والعمال المصابين بالانهيارات العصبية، تعمل مصلحة الطب العقلي على تبرير غيابهم عن مناصب العمل ومنح الإدارات العاملين على مستواها كل التغييرات لإعادة إدماجهم وعدم التعامل معهم على أساس أنهم مرضى حتى لا يؤثر ذلك على علاجهم. كما سجلت المصلحة حالات عديدة من الأطفال المعاقين ذهنيا بسبب ظروف الحمل والولادة المتعددة بدون فحص وبدون وقاية، مما يهدّد بخلق جيل كامل من المختلين عقليا، حيث لا توجد مؤسسة في منطقة تديكلت للتكفل بهم، مما يستوجب على وزارة الصحة حسب الأطباء ضرورة وضع مخطط صحي خاص بالجنوب الكبير بعد فشل السياسة المركزية، وكذا الاهتمام بالأمراض التي تنتشر في صمت ونادرا ما تتطرّق وزارة الصحة للحديث عنها خاصة الأمراض العقلية. ليلى مصلوب