عبّر الرئيس «بوتفليقة» أمس عن رغبة الجزائر في التعاون مع ألمانيا من أجل تجسيد مشروع «ديزرتك» الذي يهدف إلى تموين أوروبا بالطاقة الكهربائية التي يتم إنتاجها في الصحراء الجزائرية باستعمال الطاقة الشمسية، ويمثل المشروع أحد مظاهر التطور في العلاقات بين البلدين. الرئيس قال في ندوة صحافية عقدها أمس ببرلين بالاشتراك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "إننا نعمل في مجال الطاقات الجديدة من خلال مشروع كبير اسمه ديزرتك الذي سنطوره في إطار اتفاق مشترك"، وقد أكدت المستشارة الألمانية هذا التوجه بالقول "إنها تريد أن ترى المشروع وقد تحول إلى حقيقة، ويقوم هذا المشروع الذي تم الإعلان عنه في سنة 2009 ويلقى دعما كبيرا من قبل ألمانيا وإسبانيا تحديدا، على بناء عدد كبير من محطات توليد الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية في الصحراء الجزائرية ويتم ربط هذه المحطات بأوروبا، وهو مشروع يشبه إلى حد كبير المشروع الذي تتبناه فرنسا والمسمى المخطط المتوسطي للطاقة الشمسية، والذي يعتبر من أهم المشاريع التي يريد الاتحاد من أجل المتوسط تنفيذها. وتأتي تصريحات الرئيس بوتفليقة لتنقض التقارير التي تحدثت عن تحفظات جزائرية على مشروع «ديزرتك»، ولتؤكد فرصة التطور الكبير التي لاحت أمام العلاقات الجزائرية الألمانية، وقد كان الوفد الذي رافق الرئيس في زيارته الثانية إلى ألمانيا، بعد تلك التي قام بها سنة 2001، يعكس الاهتمامات الجزائرية، فقد كان هناك تركيز على قضايا الطاقة، والصناعة المدنية والعسكرية، وقد عقد كل من وزير الطاقة «يوسف يوسفي» ووزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمُتوسطة وترقية الاستثمار «محمد بن مرادي» جلسات عمل مع رجال أعمال ألمان ومنهم مدراء شركات كبرى مثل شركة «دايملر» لصناعة السيارات و«سيمنس» و«راينمتال» و«إيدس دوتشلاند» والتي تعتبر من أكبر الشركات في العالم في مجال الصناعات الفضائية والعسكرية. الاهتمام الألماني بالاستثمار في الجزائر تصاعد بقوة خلال السنوات الأخيرة، وأثناء الزيارة الأخيرة التي قامت بها المستشارة الألمانية إلى الجزائر في سنة 2008، قالت في مأدبة عشاء أقامها على شرفها الرئيس بوتفليقة "إننا نعرف أن هناك بعض الدول من جنوب أوروبا تحديدا تعتبر الجزائر ضمن مناطق النفوذ الخالص لها"، وكانت الإشارة واضحة إلى فرنسا، وقد أصرت «ميركل» على تأكيد رغبة ألمانيا في نيل فرصتها كاملة في الجزائر مثلما فعلت عندما أصرت على تحويل مشروع الاتحاد المتوسطي إلى اتحاد من أجل المتوسط حتى يكون لها مكان فيه، وتكون هذه الرغبة قد تقاطعت مع ميل الجزائر إلى تنويع علاقاتها الخارجية والاعتماد على شركاء جدد، خاصة وأن الأمر يتعلق بدولة محورية في الاتحاد الأوروبي. المجال الأول الذي فتح آفاقا جديدة أمام علاقات البلدين هو الطاقة، وهو مجال بالغ الحساسية، حيث تعتمد ألمانيا بشكل كبير على النفط القادم من الخليج وآسيا، وتعتمد على الغاز الروسي بشكل كبير، وخلال زيارته الأولى إلى ألمانيا أشار الرئيس بوتفليقة إلى استعداد الجزائر لضمان أمن أوروبا الطاقوي، وكانت تلك الإشارة واضحة تماما، فهي تتعلق بالرغبة بالتعاون على أكثر من مستوى مع التأكيد على أن الجزائر لا تنوي استعمال الطاقة كورقة سياسية على عكس السلوك الروسي، وقد جاء التعبير عن حسن النوايا مبكرا عندما تحفظت الجزائر على اقتراح تقدمت به بعض الدول المنتجة للغاز من أجل تأسيس كارتل للدول المصدرة شبيه بمنظمة أوبك. التعاون في مجال الطاقة أخذ بعدا جديدا من خلال اهتمام ألمانيا بالطاقات المتجددة والنظيفة، فقد ركزت بصفة واضحة على تجسيد مشروع عملاق وفريد من نوعه على المستوى العالمي يقوم على إنتاج الطاقة على نطاق واسع باستخدام الطاقة الشمسية، وسيؤدي هذا المشروع بكل تأكيد إلى ربط أمن أوروبا الطاقوي بالجزائر ويعطيها ثقلا كبيرا على الساحة الإقليمية والدولية، فضلا عما سيوفره من فرص عمل ومن نقل للتكنولوجيا.