يسابق التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الزمن من أجل استغلال ما بقي من آثار الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في الخامس من الشهر الجاري، ويبدو الحرص على التحرك في هذه المرحلة بالذات محاولة لاستدراج الشارع في ظل الاهتمام الذي تثيره الأحداث الجارية في تونس. جبهتان يعمل عليهما الأرسيدي منذ أيام، الأولى هي السعي إلى تنظيم مسيرة شعبية في العاصمة التي قدم بشأنها طلبا قوبل بالرفض من قبل وزارة الداخلية، والجبهة الثانية هي محاولة استجواب الحكومة حول الاحتجاجات الأخيرة للمواطنين والتي تخللتها أعمال عنف واسعة في ولايات كثيرة من الوطن، وفي الحالتين لا يتوقع الأرسيدي أن ينجح في تحركه، بل إن المقصود الآن ليس تنظيم مسيرة أو استجواب حكومة. بالنسبة للمسيرة من المعلوم أن الأحزاب لا تنظم المسيرات في العاصمة منذ مسيرة العروش في 14 جوان 2001 لأن الداخلية قررت منع التظاهر في العاصمة بعد انحراف تلك المسيرة إلى أعمال عنف وتخريب وكادت أن تنزلق إلى مواجهات بين المتظاهرين القادمين من منطقة القبائل وسكان العاصمة الذين رفضوا أن تخرب الممتلكات العمومية في مدينتهم، ومن المؤكد أن الأرسيدي لا يتوقع قبول طلبه بتنظيم المسيرة بل إن هدفه هو هذا الرفض الذي يريد أن يستغله للحديث عن التضييق على الحريات في هذا الظرف بالذات من أجل القول بأن ما يستحق الاحتجاج هو هذا الوضع السياسي وليس ارتفاع الأسعار، ومن الواضح أن الهدف الذي يسعى إليه حزب سعيد سعدي هو استغلال المطالب الاجتماعية سياسيا من أجل تحريك الشارع، وتؤكد التجربة التاريخية أن الأرسيدي لم يقدر يوما على تسيير مظاهرات حاشدة في العاصمة أو في غيرها من المدن إلا عندما كان يشارك أحزابا أخرى، ومنذ سنة 2001 لم يقدر الحزب على القيام بأي استعراض شعبي كبير خارج منطقة القبائل بل إن الانتخابات سواء الرئاسية التي جرت في سنة 2004 أو انتخابات سنة 2007 التشريعية والمحلية حجمت الحزب وأظهرته غير قادر على تحقيق نتائج تذكر خارج منطقة القبائل، بل إن بعض المقاعد التي حصل عليها في البرلمان عادت إليه بسبب مقاطعة غريمه جبهة القوى الاشتراكية لتلك الانتخابات. كل هذا يعزز الاعتقاد بأن الأرسيدي يريد أن يحافظ على حالة الترقب التي أثارتها الاحتجاجات الأخيرة، وقد فتح انفجار الوضع في تونس وسقوط النظام هناك الباب أمام مساعي حثيثة لاستغلال الاهتمام الشعبي بما يجري خلف الحدود الشرقية، ولم يخف الأرسيدي توجهه إلى استغلال الوضع حيث عقد في البيان الذي أصدره الأربعاء الماضي وأعلن فيه طلب ترخيص من الداخلية لتنظيم مسيرة مقارنة بين ما يجري في تونس، وكان يومها النظام قائما لكنه قدم تنازلات، وبين رد فعل السلطات الجزائرية على مطالب المحتجين، غير أن المقارنة انطوت على مغالطة كبيرة حيث لم تكن انتفاضة التونسيين متعلقة بمطالب اجتماعية وقد جابهها النظام بالرصاص الحي، في حين أن الجزائريين ثاروا بشكل عفوي بسبب غلاء الأسعار وقد استجابت السلطات لمطالبهم من خلال اتخاذ الإجراءات التي أدت إلى خفض الأسعار، وأكثر من هذا فإن الأرسيدي ارتكب خطأ كبيرا لأن بيان الأربعاء تضمن ثناء ضمنيا على النظام التونسي الذي اعتبره قد تعامل بإيجابية مع مطالب المحتجين وهو ما يعني أن الحزب لم يفهم ما كان يجري هناك ولم يدرك حقيقة الانتفاضة التونسية. تنظيم المسيرة يبدو أمرا مستبعدا، وهو ما دفع حزب سعيد سعدي إلى اللجوء إلى حيلة أخرى من خلال السعي إلى مساءلة الحكومة عن الاحتجاجات، وهي محاولة فاشلة مسبقا ما دامت أحزاب الأغلبية ترفض هذا الخيار، غير أن الهدف الأساسي من طرح هذه الفكرة كان السعي إلى إثارة جدل حول وضع الحريات السياسية، وهو أمر لم يعد يثير اهتمام الشارع الجزائري الذي يفرق تماما بين مطالبه الاجتماعية وبين المناورات السياسية للأحزاب، ومن المؤكد أيضا أنه يفرق بين وضع الجزائر ووضع تونس. محاولة استغلال الحدث التونسي يتقاسمه الأرسيدي مع أحزاب أخرى اعتقدت أن الفرصة مواتية لتجنيد الشارع الذي قل اهتمامه بالسياسة خلال السنوات الأخيرة، ومن سوء حظ الأرسيدي وأحزاب المعارضة الأخرى أن أحزاب التحالف الرئاسي أبدت تأييدها لانتفاضة الشعب التونسي واحترامها لخياراته، ورغم الموقف الرسمي القائم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتونس فإن أحزاب التحالف بدت أقرب إلى الشارع التونسي، وهو موقف يعكس الإدراك لخصوصية الحالة التونسية. نقطة الضعف الأخرى في موقف الأرسيدي هي أنه لا يلقى أي مساندة من أحزاب سياسية أخرى فضلا عن اللامبالاة التي يلقاها من قبل الشارع الجزائري الذي بلغ درجة من الوعي تجعله عصيا على الاستغلال السياسي والاستدراج من قبل أحزاب تبقى عاجزة عن الحركة أغلبية أيام السنة.