كشفت ندوة الجزائر الدولية حول الشراكة و الأمن و التنمية التي انعقدت يومي الأربعاء والخميس الماضيين عن توافق دولي حول مبادئ أساسية تتعلق بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، كما كانت الندوة فرصة لدول الساحل لتقديم إستراتيجيتها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة أمام الشركاء الدوليين . أهم ما ركزت عليه الندوة التي شارك فيها 38 وفدا يمثلون نظام الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي والدول المانحة، هو الربط بين مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد أجمع المشاركون على أن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تنجح إذا لم تكن هناك تنمية اقتصادية تساعد على الاستقرار وتقضي على التطرف من جذوره، وفي هذا الصدد أقرت «شيرا فيلاروسا» عضو مكتب تنسيق مكافحة الإرهاب في كتابة الدولة الأمريكية "أن القدرات العسكرية و عمليات المخابرات لن تمكن على المدى البعيد من مواجهة تحديات الإرهاب" و أضافت قائلة "علينا أيضا معالجة الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية التي شجعت تنامي العنف". ندوة الجزائر لم يكن منتظرا منها إصدار قرارات بقدر ما كانت مناسبة لدول الساحل لعرض وجهة نظرها، وتقديم إستراتيجيتها في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة بعد امتلاك هيئات مشتركة لتنسيق الجهود بين هذه الدول وأهمها قيادة الأركان المشتركة التي تم إنشاؤها قبل قرابة سنة، وحسب تقييم الوزير عبد القادر مساهل فإن الندوة مكنت دول الساحل من الحديث بصوت واحد وتقديم إستراتيجيتها التي تشمل الصعيد العسكري، الأمني والسياسي والتنموي، وفي النهاية فهم الجميع أن مهمة الأمن والتنمية في الساحل هي مهمة دول المنطقة وحدها، وإذا أراد الحلفاء المساعدة فذلك من خلال تدعيم قدرات دول الساحل وتبادل المعلومات والتجهيزات، وأكد وجود توافق حول ضرورة محاربة تمويل الإرهاب ودفع الفدية. لعل أهم رسالة أرادت دول الساحل أن تبعث بها من خلال هذه الندوة هي التأكيد على رفض التدخل الأجنبي، وقد حاولت بعض الدول التي تثير سياستها بعض التوجس لدى دول المنطقة أن تطمئن المشاركين، كما فعل «أندري باران» مساعد المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حين قال بأن مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل من شأن دول المنطقة و إنه "لا يمكن لأحد أن يأخذ مكانها و أن يقرر بدلها لأن التعاون الإقليمي مفتاح كل شيء (...) و العمل الجماعي الصارم و المنسق بين دول المنطقة هو وحده الكفيل بإحراز نتائج إيجابية"، وأكثر من ذلك تحدث المسؤول الفرنسي عن "القلق" الذي تتسبب فيه الأزمة الليبية بالنظر إلى الخطر الذي يحدق بالمنطقة ككل. ورغم أن الندوة كانت مقررة منذ فترة إلا أنها مثلت فرصة جيدة بالنسبة للجزائر ولدول المنطقة لطرح انشغالاتها بخصوص التحديات الأمنية التي فرضتها الأزمة الليبية، فقد حذر المشاركون من "تحول منطقة الساحل إلى خزان بارود وتدهور شامل للوضع الأمني" بسبب الأزمة الليبية التي "تسببت في انتشار السلاح والمتفجرات وخطورة وقوعها في يد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، واعتبر وزير خارجية النيجر محمد بازوم أن "الوضع في منطقتنا (الساحل الإفريقي) شهد تدهورا شاملا بسبب الأزمة الليبية التي حولت المنطقة إلى خزان بارود حقيقي بسبب انتشار السلاح والمتفجرات"، وهذا الموقف يمثل تصديقا للموقف الجزائري الذي قام منذ اندلاع الأزمة الليبية على التنبيه إلى المخاطر الأمنية التي باتت تحدق بالمنطقة، ولعل أهم تفصيل بخصوص هذه القضية هو انتشار السلاح على نطاق واسع، ووصول كميات كبيرة منه إلى أيدي التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وبهذا الشأن تم التوافق بين دول الساحل والأطراف الدولية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، على تحميل المجلس الانتقالي الليبي مسؤولية جمع الأسلحة ومنع انتشارها ووصولها إلى الإرهابيين، وقال مساهل بخصوص هذه المسألة "بعد التشاور كمجموعة ومع الشركاء الإقليميين، يمكن القول إن قضية تدفق الأسلحة من ليبيا وتداولها في منطقة الساحل الإفريقي يجب أن تضعها الحكومة الليبية الجديدة ضمن أولوياتها''، وعبر عن تفاؤله ''بأن تعطي الحكومة الجديدة التي ستتشكل في ليبيا الأولوية لمعالجة هذه القضية". وحتى إذا كانت الدول الكبرى لم تقدم المساعدات المطلوبة بالشكل الكافي إلى حد الآن، فإن الندوة من الناحية السياسية أطلقت رسائل واضحة، أهمها رفض التدخل الأجنبي، وتقديم إستراتيجية مفصلة لا تهمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأمن، وبالنسبة للجزائر تحديدا كانت الندوة فرصة جيدة لشرح موقفها من الأزمة الليبية، فالمخاطر الأمنية التي تحيط بهذه الأزمة ليست مجرد اختلاق، بل هي واقع تدعمه أدلة من الميدان، والأهم من هذا أن هذه المخاوف لا تخص الجزائر وحدها بل تتقاسمها كل دول المنطقة، وقد بدأت تثير قلق الدول الغربية، وقد تكون النقطة الأهم هنا هي أن التحذيرات التي أطلقتها الندوة ستكون حجة على الدول الغربية في حال تسجيل أي تصعيد في النشاط الإرهابي في المنطقة مستقبلا. الحديث عن انتشار السلاح أخذ بعدا آخر أكثر خطورة بعد أن أصبح قادة المعارضة الليبية يتحدثون بشكل صريح عن مخاوفهم من الخلافات بين أعضاء المجلس الانتقالي، فقد لمح محمود جبريل أول أمس إلى وجود خلافات عميقة بين المعارضين وقال إن " البعض قام بمحاولات لبدء لعبة سياسية قبل التوصل لإجماع عام بشأن القواعد، وأضاف "أن أولوية الإدارة الجديدة هي إنهاء المعركة ضد قوات القذافي، وهدد بأنه " إذا اتضح أن الحركة لا تجمعها أرض مشتركة فسوف ينسحب"، ويشير جبريل صراحة إلى مخاوف من اندلاع قتال بين الأطراف المشكلة للمعارضة، وهو ما يزيد في تعقيدات الأزمة الليبية.