وزير المجاهدين يشرف على إجتماع لمتابعة تحسين وتحديث آليات الإتصال الإداري    تعزيز التعاون الجزائري التونسي في قطاع التضامن    استحداث 5 ثانويات جهوية للرياضيات    باريس تغرق في شبر من ماضيها الأسود    "بريد الجزائر" يلتزم بخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة    مديريات لتسيير الصادرات ومرافقة المتعاملين    ملتزمون بدعم آليات التضامن والتكفّل بذوي الهمم    شؤون دينية: تحديد قيمة زكاة الفطر لهذا العام ب150دج    الكيان الصهيوني يمنع وصول الإمدادات إلى غزّة    "التاس" تصدر قرارها النهائي غير القابل للطعن    الملالي: أحلم بالتتويج بلقب مع المنتخب الوطني    توتنهام الانجليزي يدخل سباق ضم ريان آيت نوري    أهمية إرساء قيم الاخلاق التجارية الاسلامية    ذوو الهمم قدوة في مواجهة الصعاب    مساع لإنصاف فئة ذوي الهمم    أرشيف لأول مرة على التلفزيون الجزائري    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    الجوية الجزائرية تذكّر بالزامية اختيار رحلة الحج    وقفة إجلال أمام عزيمة ذوي الاحتياجات الخاصة    بينهم 3 صحافيين..استشهاد 9 فلسطينيين في قصف إسرائيلي شمالي غزة    ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد : الفنان مبارك دخلة يطرب الجمهور بباقة من اغاني المالوف    لمواكبة التحولات الرقمية.. دعوة إلى عصرنة المركز الوطني للسجل التجاري    طاقات متجددة : المشاريع المشتركة محور لقاء بين السيد ياسع وسفير ألمانيا بالجزائر    ديباجة العدد 99 من مجلته الدورية : مجلس الأمة يجدد التزامه بدعم مشروع بناء "الجزائر المنتصرة"    هنأ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.. رئيس الجمهورية يهنئ السيدة حدادي بمناسبة تنصيبها ومباشرة مهامها    حج 2025:اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48543 شهيدا و111981 جريحا    وزير التربية الوطنية يشرف على الاحتفال باليوم الدولي للرياضيات    الجمعية العامة العادية ال 22 "للاكنوا" : إعادة انتخاب براف يؤكد حوكمته في التسيير لخدمة الرياضة في افريقيا    الجمعية العامة العادية ال 22 "للاكنوا": التركيبة الجديدة للمكتب التنفيذي    المخزن يُكرّس القمع وتكميم الأفواه    شرفة يترأس اجتماعاً    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى تظافر الجهود لمواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة    سوق أهراس.. احتراق 7 حافلات بحظيرة مؤسسة النقل الحضري و شبه الحضري    بلوزداد يواصل رحلة الكأس    الجمعية العامة العادية ال 22 "للاكنوا" : اعادة انتخاب الجزائري مصطفى براف بالتزكية على رأس الهيئة الرياضية القارية    المسابقة الوطنية في تجويد القرآن "قارئ تلمسان": تكريم الفائزين بالمراتب الأولى    بلمهدي يُرافِع لتكوين مُقرئين ومؤذّنين ببصمة جزائرية    حفاوة جزائرية بالثقافة الفلسطينية    دراجات: الجزائر تحتضن البطولة العربية 2025 للدراجات على الطريق والدراجات الجبلية    هكذا تحارب المعصية بالصيام..    تكريم الفائزات في مسابقة المقاولات الناجحات    فرنسا بدأت استخدام الكيمياوي بالجزائر سنة 1830    حج 2025: اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    رمضان : آيت منقلات يحيي حفلا بأوبرا الجزائر    الجزائر العاصمة: توقيف امرأة تمتهن الطب بدون شهادة أو رخصة    مجمع سونلغاز يكرم عماله من ذوي الاحتياجات الخاصة    رمضان: "إفطار جماعي ضخم" بالجزائر العاصمة    الأمم المتحدة تحذر من تزايد حدة الأزمات الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية    دعوة أطراف النزاع إلى اغتنام رمضان لوقف الاقتتال    "الطيارة الصفراء" تمثّل الجزائر    الدكتور بوزيد بومدين يدعو لفتح نقاش علمي تاريخي اجتماعي    إدراج مكتب أعمال دنماركي في القائمة السوداء    حفظ الجوارح في الصوم    تسويق أقلام الأنسولين المحلية قبل نهاية رمضان    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    نزول الوحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا تكذب وتتجمل وتكشف عن وجهها البشع الجديد..
في دراسة جديدة ل"معهد بروكينز"، مشروع أمريكي ضخم للخداع الاعلامي

لسنوات عديدة ظلت العلاقة بين الإسلام والولايات المتحدة محكومة بالقوالب النمطية التي يكرسها الإعلام في كلا الجانبين، لاسيما في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي ساهمت في تنميط صورة كل طرف لدى الطرف الآخر، فالصورة النمطية للمسلم في الإعلام الغربي تتمثل في رجل إرهابي يرتدي عمامة ويطلق لحيته ويقوم بتفجير الطائرات ونسف المباني العامة وقتل المدنيين، بينما تظل الصورة النمطية للأمريكي في الإعلام الإسلامي تتركز حول الرجل الإمبريالي الذي يسعى لنهب ثروات العالم الإسلامي ونفطه، ويعمل على غسل أدمغة الشعوب الإسلامية لفرض ثقافة الكاوبوي على هذه المجتمعات.
والمشكلة في هذه الصور النمطية أنها لا تفرق بين المواطنين العاديين وبين صناع القرار، وتقوم بتعميم الصورة لتشمل الجميع، وكل ذلك يسهم في إذكاء مشاعر الاستياء والكراهية بين الجانبين، مما يعني أن وسائل الإعلام في كلا الجانبين تكرس المفاهيم الخاطئة سواء بقصد أو بدون بوعي، ومع ذلك تظهر بين الحين والآخر مبادرات إيجابية تحاول القضاء على هذه الصور النمطية الخاطئة، غير أن هذه المبادرات الإعلامية تكاد تقتصر على القطاع غير الربحي الذي يخضع لقيود مالية شديدة خاصة في ظل الانكماش الاقتصادي الأخير.
كان هذا محور بعض الأوراق المقدمة للمنتدى العالمي الأمريكي الإسلامي الذي عقد في أوت 2011 بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في إطار مشروع معهد بروكينز Brookings للعلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.
وفي تقرير بعنوان "حوارات مقطوعة بين الولايات المتحدة والمجتمعات العالمية المسلمة"، وأصدره المعهد في نفس الشهر (أوت 2011) تم عرض بعض المبادرات والجهود الرامية لتغيير الصور النمطية في وسائل الإعلام بين الطرفين.
على الرغم من أننا نعيش في عصر انتشار الشبكات الاجتماعية، فما زالت وسائل الإعلام المرئية من أقوى الأدوات في تشكيل والتأثير على الرأي العام، لذا فقد حاول المنتدى العمل على إتاحة فرص مد جسور التعاون بين العالمين الإسلامي والغربي، وقد أجمع المشاركون فيه على ضرورة انتهاز التغيير في العالم العربي من أجل تحسين العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة لاسيما أن استطلاعات للرأي أظهرت أن أحداث العالم العربي انعكست إيجابا على نظرة الأميركيين إلى الشعوب العربية.
وبتحليل دور وسائل الإعلام المرئية في تكريس القوالب النمطية، يمكن الكشف عن خطاب إعلامي أمريكي سائد يدعم العداء المسبق للإسلام والمسلمين.
فعلى سبيل المثال رصد وسائل الإعلام الأمريكية لردود أفعال المسلمين على نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للإسلام يكاد يقتصر على أقلية تدعو للعنف والانتقام من الغرب، دون تفرقة بين مسيء وبين مسالم، بينما لا يتم تسليط الضوء على أصوات أخرى متعقلة تدعو للحوار وتميز بدقة بين متعمدي الإساءة وبين هؤلاء الذين يرفضونها من داخل الغرب نفسه.
في الوقت نفسه لا تفرق وسائل الإعلام في الدول الإسلامية بين الممارسات الأمريكية الصهيونية الرامية لاحتلال الشعوب الإسلامية واستنزاف ثرواتها، وبين المواطن الأمريكي أو الغربي العادي الذي يعارض مثل هذه الممارسات وينتقدها بشدة. والنتيجة أن الصورة الذهنية الخاطئة تتأصل في الوعي الشعبي لدى الجانبين.
وفي استطلاع للرأي العام العربي أجرته جامعة ميريلاند عام 2010 بالتعاون مع مؤسسة الزغبي الدولية، أظهرت
والأكثر من ذلك أن استطلاع رأي أجراه معهد جالوب بعنوان "رصد العلاقات الغربية الإسلامية" كشف عن أن كلمة السر التي يمكن للغرب أن يكسب بها ثقة المسلمين لتتحسن علاقته بالمجتمعات الإسلامية تتلخص في "احترام الإسلام"، فقد ذكر 72% من المشاركين في الاستطلاع أن الامتناع عن تدنيس القرآن والرموز الإسلامية ستكون ذات معنى طيب.
كما قام 54% من المشاركين بتعريف كلمة الاحترام بأنها معاملة عادلة في السياسات التي تمسهم، وأشار 49% إلى أن الاحترام يعني أن يتم رسم صورة صحيحة وإيجابية للمسلمين في الأفلام الأجنبية، فالمعايير المزدوجة من أكثر ما يضايق المسلمين من الغرب والتي يساهم الإعلام في تفاقمها بشدة .
بعد عدة محاولات أمريكية لتمويل وسائل إعلامية تسعى للتقارب مع العالم الإسلامي، وجدت أن الفشل يحيق بها خاصة مع صدور فتاوى من بعض علماء المسلمين بتحريم مشاهدة هذه القنوات، ومنها على سبيل المثال قناة الحرة، التي تمولها الولايات المتحدة، فصدرت عدة فتاوى بتحريم مشاهدتها على أساس أنها أنشئت لمحاربة الإسلام، ونشر الانحلال الأمريكي على نطاق واسع داخل البلدان الإسلامية.
وعلى نفس المنوال يتشكك الكثير من المسلمين في القنوات الممولة من الحكومات الإسلامية والعربية ذاتها وفيما تقدمه، معتبرين إياها أبواق للحكومة مما يقلل من مصداقيتها.
لذا فإن البديل الأنسب للولايات المتحدة يتمثل في دعم منظمات المجتمع المدني في الدول الإسلامية نفسها، من خلال تمويل وسائل إعلامية ذاتية بدلا من إنشاء قنوات تابعة للإدارة الأمريكية.
ويتلخص هذا البديل في أن تستعين الولايات المتحدة بمذيعين ومقدمي برامج دوليين، من العاملين في الولايات المتحدة، وذلك بالاستفادة من صلاتهم غير الرسمية بهذه المنظمات المدنية غير الربحية وبمن يمكن أن يصبحوا منتجين محتملين في المستقبل، وبالمؤسسات التي تقدم منح ومساعدات، مثل "مؤسسة التفاهم العالمي".
وهناك العديد من المبادرات في هذا الصدد التي كللت بالنجاح، من بينها على سبيل المثال خدمة التليفزيون المستقلة (ITVS) والتي تتلقى تمويلا هائلا من الحكومة الأمريكية، ولكن على العكس من قناة الحرة، تقوم المنظمة بتمويل منتجين مستقلين يتناولون قضايا معقدة ويعرضون لمختلف الرؤى والآراء حولها، والتي يفتقدها الإعلام الرسمي.
وبحسب ما هو معلن عن خدمة التليفزيون المستقلة، فإنها عبارة عن "تجمع مستقل، لبث إعلام وبرامج جديدة ذات جودة عالية على الأصعدة المحلية والوطنية، والدولية". وذلك بقصد "إثراء المشهد الثقافي مع تمثيل أصوات ورؤى المجتمعات، لتعكس مصالح واهتمامات متنوعة للمجتمع".
يعكس المشهد الفضائي العربي تنوعا هائلا نجح في جذب الشركات الإعلانية لاستثمار ارتفاع معدلات المشاهدة العربية، فمن بين أكثر من 600 فضائية عربية، تنتشر القنوات الدينية والتي تستحوذ على نسب مشاهدة عالية، وهناك أيضا البرامج الإخبارية الحوارية التي تجتذب المشاهدين من مختلف الأطياف، حتى أن الشركات الخليجية وخاصة السعودية أصبحت تتنافس على رعاية هذه البرامج.
على سبيل المثال تتنافس عدة شركات سعودية محلية ودولية على الحصول على مساحات إعلانية في برنامج "يا ليل يا عين" الذي تقدمه قناة LBC اللبنانية وهو برنامج ثقافي تحرري، كما تستأثر إحدى الشركات السعودية برعاية برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تقدمه قناة الجزيرة وهو برنامج حواري سياسي.
وقد دفع نجاح هذه القنوات الفضائية (الخاصة وشبه الخاصة) إلى محاولة الفضائيات المحلية المملوكة للدولة تغيير خريطة برامجها إلا أنها لم تحرز نجاحا يذكر لسيطرة التوجيهات الحكومية.
وفي العادة لا تجتذب وسائل الإعلام العربية المستثمرين من القطاع الخاص الأمريكي، لكونها أسواقا نائية عن هوليوود، ومن ثم لا تميل الشركات الأمريكية للإعلان عن أفلامها مثلا في الفضائيات العربية بسبب أن أغلب المشاهدين العرب إما ينتظرون مضي فترة على عرض الأفلام –ومن بينها أفلام هوليوود- ليشاهدوها مجانا، أو يقومون بمشاهدتها أثناء العرض مجانا أيضا بسبب انتشار عمليات القرصنة في ظل غياب سياسات حماية الملكية الفكرية.
من أجل ذلك فإن فرصة الولايات المتحدة لتغيير الصورة النمطية عنها لدى العرب والمسلمين ستظل محدودة جدا خاصة مع استمرار تقديمها لمحتوى فني لا ينسجم مع المعايير والثقافة الإسلامية.
فالأمريكيون لا يدركون أن تغيير الصورة النمطية لا تحتاج للتقنيات والتكلفة العالية في هوليود بقدر ما تحتاج للتبسيط واحترام الثقافة والتقاليد وتقديم الصورة الصحيحة للمسلمين.
ونفس الأمر ينطبق على الإعلام العربي الذي يحاول البحث عن مكان له على خارطة الأمريكيين الإعلامية، على سبيل المثال أطلقت قناة الجزيرة الإنجليزية في عام 2006 من واشنطن لكنها لم تنجح في إقناع شركات الكابل الأمريكية لتقديم القناة لعملائها، ويعود ذلك بشكل جزئي إلى مقاومة مزودي خدمات الكابل للعلامة التجارية للجزيرة خوفا من احتمال رد فعل عنيف من المعلنين، إضافة إلى أسباب سياسية نظرا لما كانت إدارة الرئيس الأمريكي بوش تكنه من عداء لشبكة الجزيرة.
ويحاول التقرير في ختامه أن يقدم بعض التوصيات التي يمكن من خلالها للولايات المتحدة أن تجد لها مكانا في الساحة الإعلامية في المجتمعات الإسلامية، فيما يمكن اعتباره خطة أمريكية لغزو إعلامي للمسلمين من نوع جديد مغلف بدعوات للحوار والتفاهم. ومن أهم هذه التوصيات:
- تغيير التصورات والبدء في الحوار: فالدعم الأمريكي حتى الآن للثورات العربية ما زال متفاوتا، بل سرعان ما تحول إلى خوف متزايد من تولي الإسلاميين الحكم، وهو أمر واضح في التغطيات الإعلامية الأميركية، مما يساهم في تأصيل الصورة النمطية لدى المسلمين والعرب عن سياسة الكيل بمكيالين الأمريكية.
- استخدام أسلوب سابيدو (Sabido) لتثقيف المشاهدين والتأثير على التصورات: وقد أثبت أسلوب Sabido فعاليته في إحداث تغييرات اجتماعية هامة. وهو أسلوب تم استخدامه في ميجيل سابيدو في المكسيك، وهو عبارة عن نهج يمزج بين الترفيه والتعليم. ويمكن من خلال هذا الأسلوب تناول موضوعات حساسة اجتماعيا في صورة إيجابية عبر الترفيه والنقاش سواء كانت في شكل من الكوميديا أو الدراما.
وينصح التقرير الولايات المتحدة أن تتأكد بدقة أثناء استخدامها هذا الأسلوب في البلدان الإسلامية من قدرتها على جذب تعاطف المشاهدين استنادا إلى التعرف الدقيق على احتياجات المشاهدين وردود أفعالهم.
- إعادة تحديد دور القطاع غير الربحي في سوق الإعلام العربي: فالعديد من المبادرات التي يقودها القطاع غير الربحي تمكنت من تحقيق نتائج إيجابية. ومع ذلك فما زال تأثيرها محدود بسبب القيود المالية المترتبة على الانكماش الاقتصادي الأخير.
- إنشاء منابر إعلامية وتعليمية قوية: حيث تستخدم القنوات الدينية تقنيات منوعة لتعليم الإسلام، ووفقا للتقرير لا ينبغي أن تكون هذه القنوات هي المصدر الوحيد لتثقيف الناس حول الإسلام، فعلى الأمريكيين أن يتخذوا خطوات إيجابية لتعليم المسلمين دينهم!!. فالولايات المتحدة لا تحتاج بالضرورة لتثقيف المسلمين في العالم حول أمريكا، وإنما تحتاج لتعريفهم الإسلام بهدف ردع الناس عن اللجوء إلى العنف طالما كان هناك إمكانية للحوار.
- تعزيز الإنتاج الإعلامي الأمريكي الإسلامي المشترك: فهناك العديد من القضايا المشتركة التي ينشغل بها الناس في كلا المجتمعات المسلمة والأمريكية على حد سواء، فلابد من العمل على توحيد الجهود في هذا المضمار بما لا يتسبب في حساسيات دينية أو ثقافية أو اجتماعية. ويتم ذلك من خلال برامج حوارية تعليمية حول الإسلام لتثقيف المسلمين في المجتمعات الإسلامية، وكذلك المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الأمريكي.
- بناء مؤسسات أو العمل مع مؤسسات مثل نيلسن للاستطلاعات: فالفضائيات العربية تفتقد قياسات دقيقة حول مشاهديها، ويمكن لمثل هذه المؤسسات أن تساعد هذه الفضائيات على عدم خسارة مشاهديها من خلال الدراسات الاستقصائية ومجموعات التركيز.
- تنفيذ دورات تدريبية حول وسائل الإعلام: فهناك حاجة ماسة لتدريب البلدان النامية على وسائل الإعلام الرقمية، وصناعة الأفلام، والبرمجة، والتعامل مع الشبكات الاجتماعية، والمهارات الإعلامية. ويتعين على أميركا عدم تصدير منتجات "هوليوود" فقط، ولكن ينبغي عليها أيضا تصدير المهارات الإعلامية، بالشراكة مع المنظمات المحلية التي تعرف احتياجات المتدربين بشكل أفضل.

د. فيصل القاسم
لا شك أنه مازال أمامنا وقت طويل جداً حتى نكتشف فنون وألاعيب وأساليب الإعلام الغربي صاحب الباع الطويل في الخداع والتعتيم والتجهيل ولي عنق الحقائق. وللأسف الشديد فأنه ما زال قادراً على التلاعب ليس فقط بنا نحن المتخلفين إعلامياً بل أيضاً بالشعوب الغربية ذاتها وخاصة الشعب الأمريكي الذي تفعل فيه وسائل الإعلام فعلها نظراً لدهائها الشديد وقدرتها الفائقة على صنع الرأي العام كيفما تشاء وارتباطها الوثيق بدوائر صنع القرار.

وقد قال أحد السياسيين الأمريكيين قبل أكثر من خمسين عاماً إنه بحاجة فقط لصحفي متمرس واحد حتى يطوع
وهناك مقولة للإعلامي الاسترالي الكبير جون بلجر الذي أخذ على عاتقه فضح الإعلام الغربي مفادها أن وسائل الإعلام في الغرب تلعب نفس الدور الذي تلعبه أجهزة القمع في العالم الثالث وبنجاح أكبر، أي أنها تستطيع تطويع الشعوب الغربية وتسييرها دون أن تحرك ساكناً وذلك من خلال فنون الدعاية والإقناع الملعوبة بمكر رهيب.
وبالرغم من الثورة المعلوماتية الجديدة المتمثلة بالعولمة الإعلامية التي أسقطت الحدود الثقافية والإعلامية بين الدول وجعلت المعلومة متاحة للجميع عبر الأقمار الصناعية والانترنت وأدوات الاتصال الأخرى إلا أن الإعلام الغربي ما زال يلعب نفس الألاعيب القديمة ويمررها على رؤوس الأشهاد ببراعة يُحسد عليها حتى هذه اللحظة.
بعبارة أخرى فإن الخدع الإعلامية ما لبثت تنطلي على الملايين وآخرها بالطبع خدعة تعذيب المساجين في سجن أبي غريب وجعلها الشغل الشاغل لوسائل الإعلام العالمية ومنها العربية طبعاً.
لقد طبّل الكثير من الليبراليين العرب الجدد لوسائل الإعلام الغربية والأمريكية تحديداً لأنها برأيهم كانت سباقة إلى فضح ممارسات الجنود والضباط الأمريكيين في ذلك السجن العراقي الرهيب.
وعندما كان البعض يحاول فضح الهمجية الأمريكية والبريطانية بحق الأسرى والمعتقلين العراقيين كان الليبراليون العرب يقطعون عليهم الطريق بالقول: "لولا وسائل الإعلام الأمريكية والشفافية الديمقراطية الغربية لما كنا سمعنا عن جرائم سجن أبي غريب." وبدلاً من إدانة ما حدث بأقسى العبارات كنا نراهم يحولون الأنظار عن الجريمة إلى "روعة الديمقراطية الغربية" التي تسمح حتى بأن تفضح نفسها.
وعلى ما يبدو أن هذه اللعبة انطلت على البعض حتى الآن وكأن القضية بأكملها تخص شفافية الإعلام الغربي مع العلم طبعاً أن الأمر بمجمله عبارة عن لعبة إعلامية خبيثة تخدم في نهاية المطاف المحتلين الأمريكيين والبريطانيين في العراق لا أكثر ولا أقل.
لماذا صوروا لنا فضائح سجن أبي غريب على أنها سبق صحفي عظيم؟ لا يمكن أن نصدق أبداً أن أقوى وسائل الإعلام الأمريكية كان بإمكانها الوصول إلى فضيحة أبي غريب ونشرها لولا أن هناك من يريد نشرها في الأروقة السرية.
إن التوقيت تم في لحظة مخيفة : انتهاء قضية أسلحة الدمار الشامل واحتمال تحولها إلى قضية ضد المحتل فإذا بأبي غريب يمتص كل المرحلة الضرورية للقفز فوق هذه القضية والتعتيم عليها.
إن الفضل في الكشف عما يحدث في بعض السجون العراقية لا يعود إلى شفافية وسائل الإعلام الغربية كما روج بعض الليبراليين العرب بل إلى الدوائر السرية التي توجه الأحداث الإعلامية بما يخدم أغراضها.
ليس من المعقول أن تنقلب وسائل الإعلام الغربية التي كانت تغطي وقائع الغزو الأمريكي من على ظهر دباباته وطائراته على المحتلين فجأة وتبدأ في فضح ممارساتهم خاصة وأن التاريخ لم يشهد تواطؤا بين وسائل الإعلام ووزارات الدفاع الغربية كما حصل في غزو العراق حيث عرفنا لأول مرة في تاريخ الإعلام والحروب ما يُسمى بظاهرة "الصحفيين المرافقين" أو ما يُعرف بالانجليزية ب embedded journalists الذين لم يكن مسموحاً لهم نقل أو تصوير أي عمليات إلا تلك التي يسمح بها القادة العسكريون الميدانيون بحجة أن أي نقل إعلامي غير مسموح به ميدانياً قد يضر بالقوات المسلحة ووسائل الإعلام المرافقة لها على حد سواء.
لاعجب إذن أن رسم أحدهم كاريكاتيراً صور فيه الجنود والصحفيين الغربيين وهم ينامون في فراش واحد للتأكيد على التواطؤ المفضوح بين الطرفين أو لنقُل العلاقة الغرامية بين الجانبين.كان حرياً بمن يسمون الليبراليين العرب الجدد أن يتوقفوا مع أنفسهم برهة لا لكي يكيلوا المديح "للإعلام الغربي الحر" حسب رأيهم بل للتعرف على الأغراض الكامنة وراء الكشف عن فضائح أبي غريب في وسائل الإعلام الأمريكية أولاً والبريطانية تالياً وخلق ضجة عالمية حولها.
أكاد أن أجزم بأن الهدف من تعميم صور المساجين العراقيين على وسائل الإعلام العالمية وهم يتعرضون للتعذيب على أيدي الجنود الأمريكيين هذه الأيام وقبلها لم يكن بأي حال من الأحوال انتصاراً للمعذبين العراقيين وفضحاً لهمجية بعض المجندين الأمريكيين بل بالعكس للتمويه على أشياء أخرى ولتلميع صورة المحتلين وإظهار كم هم ديمقراطيون ورحيمون وشفافون، والأهم من كل ذلك للتعتيم على ما يجري فعلاً على أرض العراق من مجازر وبشاعات حقيقية تفوق في بربريتها ما حدث للسجناء في أبو غريب بمئات المرات وأيضاً لإخفاء المأزق الحقيقي الذي وجدت فيه قوات الاحتلال نفسها.
إذن نحن بصدد عمليات تعتيم إعلامية خطيرة للغاية وليس عمليات فضح. فليس من الضروري دائماً أن يكون التعتيم بالحجب، فما المانع أن يكون بالنشر إذا كان يؤدي نفس الأغراض وأكثر.
بعبارة أخرى فإن التركيز الإعلامي المكثف على جرائم سجن أبي غريب من خلال الكشف أولاً عن أناس عراة يتعرضون لسوء المعاملة ومن ثم مهزلة التحقيق مع بعض الجناة من الضباط والجنود الأمريكيين وبعد ذلك إدانة أحدهم بالسجن لمدة عشر سنوات وتالياً إعادة نفس الشريط لكن هذه المرة من خلال التركيز على عمليات التعذيب التي اقترفها الجنود البريطانيون، كل ذلك ليس أكثر من مسرحية إعلامية ملعوبة جيداً وستستمر على ما يبدو لشهور وشهور لغرض واضح وضوح الشمس وهو أولاً تحويل الأنظار عما يجري فعلياً على أيدي قوات الاحتلال من بشاعات يندى لها الجبين وثانياً للتمويه على وضع قوات الاحتلال ذاتها.
فإذا جاء الكشف الأول عن قيام الجنود الأمريكيين بتعذيب معتقلين عراقيين للتغطية على فضيحة أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة، فإن الكشف الثاني عن قيام الجنود البريطانيين بتعذيب الأسرى العراقيين جاء بدوره هذه الأيام في توقيت ملعوب جيداً للتعمية والتعتيم على تصاعد المقاومة العراقية الهائل، فأتت الضجة الثانية حول أبي غريب لإظهار قوة المحتل وقدرته على إذلال شعب يقاوم عنه أبو مصعب الزرقاوي ولا يقاوم بنفسه "لأنه ذليل ومعرض نفسياً للقهر والانهيار". القصة تهدف إلى خلق انتصار نفسي زائف لدى قوات الاحتلال والشعوب الغربية على حد سواء وحرف الأنظار عما آلت إليه أوضاع الاحتلال على الأرض .
أليس حرياً بكل ذي عقل سليم أن يتساءل بعد كل ذلك:" هل يُعقل أن القوات الأمريكية والبريطانية ومن لف لفها من قوات غازية أخرى أن يكون همها معاقبة جندي أمريكي أو بريطاني ضرب بعض المساجين العراقيين بالسياط وهم عراة وأظهرهم بوضعيات جنسية قبيحة وهي التي اجتاحت العراق من أقصاه إلى أقصاه وأفرغت فوق رؤوس أهله آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً؟ كيف نصدق عطف الغزاة وحنانهم على مساكين أبي غريب وهم الذين سووا مدينة بأكملها كالفلوجة بالأرض وشردوا أهلها عن بكرة أبيهم، وهم الذين يصطادون العراقيين كالعصافير، وهم الذين يرهبون النساء والأطفال والعجزة من خلال عمليات دهم ليلية رهيبة، وهم الذين يعاقبون مناطق بأكملها بالحصار والترويع والاعتقالات العشوائية وتدمير المنازل على الطريقة الإسرائيلية وعمليات التفتيش اللاإنسانية لمجرد أن أحد سكانها أطلق النار على المحتلين، وهم الذين يروعون المصلين في المساجد ويدنسون حرمة أقدس الأماكن الإسلامية لدى الشيعة والسنة على حد سواء، وهم الذين يهددون بتدمير الموصل وكل المدن العراقية التي يمكن أن تثور عليهم؟ لماذا بربكم يركز الإعلام الغربي على محنة سجين عراقي في أبي غريب ويتجاهل الجرائم اليومية الحقيقية التي يتعرض لها الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه؟ أليس ذلك هو التعتيم بعينه؟ هل يستطيع الغزاة أن يكفرّوا عن جرائمهم المروعة بمجرد الحكم بالسجن على أحد الجنود الأمريكيين لمدة عشرة أعوام كما حصل لأحد الضباط الأمريكيين المتهم بتعذيب المساجين في أبي غريب؟ لماذا اختزلوا لنا جريمة الغزو بأكملها بحادث فردي بسيط؟ من الذي يعوض العراقيين عن فقدان بيوتهم وممتلكاتهم ونفطهم المنهوب ودمائهم المنثورة في آلاف المقابر الجماعية وأمنهم من جراء أفظع غزو في التاريخ دمر الجامعات والتمور والبنية التحتية للبلاد ونهب المتاحف على الطريقة المغولية الشهيرة، يصيح معارض عراقي؟ هل أصبحت كوارث العراق الناتجة عن الغزو مختصرة في عملية تعذيب اقترفها أحد الجنود الأمريكيين بحق مواطن عراقي؟ هل نحن أغبياء إلى هذا الحد كي يضحكوا علينا ببعض المسرحيات الهزلية المتمثلة بمحاكمة جندي أمريكي شاذ إنسانياً وجنسياً عبث بشرف بعض العراقيين؟ إن هذا التركيز الإعلامي المنظم والمكثف على جرائم التعذيب في بعض السجون العراقية ومحاكمة مقترفيها يهدف إلى إعطاء صورة طيبة وحضارية عن الغزاة وكأنهم أناس في غاية الحضارة لا يقبلون بأن يُعتدى على حرمة أي إنسان عراقي وهم الذين فعلوا بأسلحتهم الفتاكة أبشع من ذلك بآلاف المرات؟ إن قوات الاحتلال ووسائل الإعلام الغربية التي تخدمها بحرفية بارعة تريد أن تعطي للعالم انطباعاً بأن عمليات التعذيب في سجن أبي غريب هي أسوأ وأبشع ما حدث في العراق منذ الغزو. وهذا طبعاً كذب مفضوح.
لكن للأسف الشديد فإن هذه الخدعة الإعلامية الكبرى ستنطلي بسهولة على الشعوب الأمريكية والأوروبية نظراً لقوة الإعلام الهائلة في الغرب وسطوته على الجماهير.
إن الأمريكيين والبريطانيين تحديداً سيأخذون الانطباع بعد أن يروا صورة الجنود الأمريكيين والبريطانيين وهم يعذبون بعض الأسرى العراقيين في وسائل الإعلام الغربية بأن قوات الغزو كانت رحيمة وطيبة وإنسانية إلى أبعد الحدود إلى حد أنها لم تسمح بعمليات تعذيب بسيطة بحق العراقيين، لهذا فإن مقترفيها يواجهون الآن عقوبة التحقيق ومن ثم السجن! أي ضحك على الذقون أدهى من هذا الضحك؟هل يريدون منا نحن العرب أن ننشغل بهذه الترهات المفضوحة وننسى الجريمة الأصلية الحقيقية التي ستظل ماثلة في التاريخ العراقي كما ظلت جرائم التتار والمغول، يتساءل كاتب عراقي؟ إن الذي يريد فعلاً أن يتعامل بشفافية حقيقية حول ما يحدث في العراق لا يمنع كل وسائل الإعلام العالمية وخاصة العربية المؤثرة من تغطية مجازر الفلوجة ويغلق مكاتب القنوات التي لا تسير على هواه ويشن ضدها حملات تشويه سخيفة ومثيرة للضحك؟ إن أبسط قواعد الشفافية أن يكون بإمكان الصحفيين التنقل والعمل بحرية في العراق لا أن تُكسر كاميراتهم وتُقطّع أوصالهم وهم يقومون بواجباتهم الإعلامية البسيطة لمجرد أنهم نقلوا جزءاً يسيراً جداً مما يحدث فعلياً على أرض الواقع.
هل لنا بعد كل ذلك أن نصدق مسرحيات التعذيب وتوابعها القضائية والإعلامية البهلوانية؟ لماذا يحاول الإعلام الغربي ومعه بعض الإعلام العربي أن يغطي عين الشمس بغربال؟ إن ضجة سجن أبي غريب الإعلامية تذكرنا تماماً بالمقولة الفرنسية الشهيرة:"الشجرة التي تحجب الغابة"!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.