أبدى الرئيس التونسي منصف المرزوقي ثقته في عقد قمة لقادة دول اتحاد المغرب العربي خلال السنة الجارية، وكشف عن موافقة الرئيس بوتفليقة على عقد هذه القمة التي قال بشأنها المرزوقي أنها ستكون خارقة للعادة . الرئيس التونسي الذي أنهى أمس زيارة رسمية إلى الجزائر دامت يومين بدا مطمئنا إلى نجاح المساعي الهادفة إلى إعادة بعث الاتحاد المغاربي، فقد أكد أنه حصل على موافقة قادة الدول المغاربية التي زارها، وكان المرزوقي قد أطلق تصريحات في نفس الاتجاه عندما زار المغرب وموريتانيا ضمن جولته المغاربية، غير أنه لم يتحدث عن مساع بذلها بصفته الشخصية أو الرسمية من أجل بعث الاتحاد المغاربي، بل إن تصريحاته توحي بأن التطور الحاصل الآن هو ثمرة للعمل الذي قامت به كل من الجزائر والمملكة المغربية طيلة الأشهر الماضية والذي كان سابقا لمجيء المرزوقي إلى الحكم قبل نحو ثلاثة أشهر من الآن. في العمق يبدو أن الاتفاق على عقد قمة مغاربية هو نتيجة طبيعية لمسار التقارب الجزائري المغربي، وهو أيضا من النتائج المباشرة للمقاربة الجديدة التي تم اعتمادها، وهي المقاربة التي تبنتها الجزائر منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث دأبت على الدعوة إلى حوار جدي وعميق حول القضايا الخلافية، وضرورة إعادة النظر في هياكل الاتحاد وآليات عمله قبل الحديث عن عقد قمة، كما أنها طالبت بمراجعة شاملة للأسس التي يقوم عليها هذا التكتل من أجل توسيع قاعدة المصالح المشتركة بين دول وشعوب المنطقة، وهذا التصور هو الذي تحدث عنه الرئيس التونسي في الندوة الصحافية التي عقدها أول أمس بالجزائر حيث قال “ما أستطيع أن أقوله بعد هذه الجولة المغاربية هو أضاف “هذا المبدأ أصبح محلّ توافق ونحن سنسعى الآن إلى دعوة اللجان المختصة حتى نعد لهذه القمة دراسة معمقة وطرحا جديا لكل المشاكل العالقة«، وهو ما سيسمح بأن ” تكون القمة المغاربية خارقة للعادة بأتم معنى الكلمة” حسب تعبيره. الجزء الآخر من المقاربة التي باتت معتمدة اليوم هي استبعاد قضية الصحراء الغربية، فقد اعترف الرئيس التونسي أن هذه القضية “هي التي أوقفت لحد الآن الاتحاد المغاربي وتسببت في حدوث الكثير من المشاكل”، وبرأيه فإن هناك خياران للتعاطي مع هذا الوضع “إما التعامل مع هذه القضية أولا وبعدها نمر إلى بناء الاتحاد”، وقدر أنه “إذا اتخذنا هذه المنهجية فإننا لن نتقدم ولا خطوة واحدة إلى الأمام”، ولذلك فإن الاتفاق حصل على ترك هذه القضية جانبا التي يجب الإقرار بأنها “تبقى موجودة وشائكة وصعبة ومؤلمة إنسانيا”، لكن في مقابل ذلك “يجب الاعتراف بوجودها وعدم تجاهلها ولكن في الوقت الحاضر هي قضية من مسؤولية منظمة الأمم المتحدة”. والمعلوم أن الجزائر سعت لسنوات طويلة إلى إبقاء القضية الصحراوية بعيدة عن مسار البناء المغاربي، غير أن الرباط أصرت خلال السنوات الماضية على ربط المسألتين وطالبت الجزائر بتغيير موقفها من هذه القضية كشرط لإنعاش الاتحاد المغاربي الذي تم تجميده بطلب من الرباط سنة 1994، ويبدو واضحا أن الاختراق الذي يتحدث عنه الرئيس التونسي على المستوى المغاربي هو أحد النتائج المباشرة للتقارب الجزائري المغربي، وقد بدا الرئيس التونسي واثقا من قرب حدوث مصالحة بين الجزائروالرباط، وقال في هذا الشأن “نحن الآن في وضعية ملائمة لتحقيق هذه المصالحة” التي توقع حدوثها قبل عقد القمة المغاربية في تونس قبل نهاية العام الجاري، ويقترح المرزوقي شهر ماي المقبل موعدا لها، وقد بنى الرئيس التونسي تفاؤله على الإرادة التي لمسها لدى الرئيس بوتفليقة والملك محمد السادس في تجاوز الخلافات التي تحول دون تنقية أجواء العلاقات بين البلدين. الحديث عن انفراج العلاقات بين الجزائر والمغرب كان قد بدأ قبل أشهر من الآن، حيث اتفق البلدان على تبادل الزيارات بين المسؤولين في مختلف القطاعات، وتم تشكيل لجان مشتركة لدراسة مختلف الملفات، وهي الطريقة التي سمحت في وقت لاحق بالحديث عن إمكانية تنقية الأجواء بشكل كامل وصولا إلى إعادة فتح الحدود، وقبل نحو أربعة أشهر من الآن كان وزير الخارجية مراد مدلسي قد تحدث لأول مرة عن إمكانية فتح الحدود بعد فترة من الزمن، واعتبر أن هذه الخطوة ستكون تتويجا منطقيا للجهود المبذولة من الطرفين من أجل إعادة بناء العلاقات بينهما، في حين تحدث الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية السابقة خالد الناصري عن اتفاق على أعلى مستوى حول منهجية التطبيع، وقد تبين فيما بعد أن هذه المنهجية تقوم على المقاربة الجزائرية التي تعتمد بناء قاعدة متينة من المصالح المشتركة والمتكافئة كأولوية قبل الذهاب إلى القرارات السياسية أو طرح القضايا الخلافية ومن ضمنها الصحراء الغربية، وقد عاد المرزوقي مرة أخرى ليؤكد أن هذه المقاربة تطبق أيضا على عملية إعادة بعث الاتحاد المغاربي، حيث اعتبر أن البلدان المغاربية مطالبة بالعمل معا “حتى نبني شيئا فشيئا الاتحاد وعندما تتطور العلاقات وتفتح الحدود وتبدأ المشاريع المشتركة (...) سيكون هناك مناخ نفساني يسمح بالتعاون والتعرف ويخلق ظروفا سياسية ونفسانية جديدة يُمكن من خلالها حلّ هذه المشكلة (الصحراء الغربية) بكيفية تحفظ ماء الوجه للجميع وتحفظ المصالح المشتركة للجميع”.