اعتبر الرئيس التونسي «منصف المرزوقي» أن زيارته إلى الجزائر تكتسي أهمية قصوى، وأنه من شأنها أن تزيد في متانة علاقة بلاده مع الجزائر التي وصفها بالشقيقة الكبرى، فضلا عن تعزيز العلاقات بين الشعوب المغاربية. «المرزوقي» الذي حل بالجزائر أمس في زيارة رسمية تدوم يومين قال في تصريحات للصحافة عقب مباحثات مع الرئيس «بوتفليقة» إنه إضافة إلى «البعد العاطفي الكبير» لزيارته فإن لها أيضا «بعدا سياسيا» لاسيما فيما يخص «تفعيل الاتحاد المغاربي»، وأعرب عن سعادته كون الرئيس «بوتفليقة» «طمأنني بتمسكه بهذا المشروع وأن شاء الله فإن الأمل يبقى مفتوحا لتفعيل هذا الفضاء المغاربي». وكان الرئيس التونسي قد زار موريتانيا وقبلها المملكة المغربية في مستهل جولة مغاربية كان قد أعلن عنها قبل أسابيع وقال إنه سيسعى من خلالها إلى إعادة بعث اتحاد المغرب العربي المعطل منذ قرابة عقدين من الزمن، وقد عاد «المرزوقي» أمس إلى التأكيد على تلازم المسارين الثنائي والمغاربي في زيارته التي قال بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية إنها تندرج في إطار «تعزيز سنة الحوار والتشاور بين البلدين»، كما «تشكل مناسبة لتعزيز علاقات الأخوة وحسن الجوار والتعاون وسبل تطويرها في مختلف المجالات بما يتماشى وتطلعات الشعبين الشقيقين»، فضلا عن كونها «مناسبة للتشاور حول مسار بناء اتحاد المغرب العربي ومختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك». وعشية الزيارة كان المرزوقي قد أكد أنه حصل على تعهدات من جانب قادة الدول المغاربية بالعمل على تنشيط الاتحاد المغاربي، وقلل من تأثير قضية الصحراء الغربية على هذا المسار، حيث أشار في حوار أجرته مع وكالة الأنباء الجزائرية إلى أنه «عندما تقف أمام عائق لا يمكنك تجاوزه فلابد من اجتنابه وأنا أدعو إلى اجتناب هذا العائق اي مواصلة تنظيم المغرب العربي على أساس الحريات الخمس ومواصلة التحاور وتركه جانبا في الوقت الحاضر وتركه لهيئة الاممالمتحدة التي تكفلت به»، ولم يشر الرئيس التونسي إن كان قد حصل على تعهدات واضحة من جانب الرباط لتجنب هذا الملف، غير أن التطورات التي عرفتها العلاقات الجزائرية المغربية خلال الأشهر الأخيرة توحي بذلك. الرئيس «بوتفليقة» كان قد قال في كلمة ألقاها في تونس بمناسبة الاحتفال بذكرى الثورة التونسية منتصف شهر جانفي الماضي «إننا نحيي ما تحقق للديمقراطية من نقلات في مغربنا العربي الكبير وإننا على يقين من أنها كفيلة حقا بفتح الباب أمام استئناف بناء الاتحاد المغاربي»، وأضاف «إننا عاقدون العزم على مواصلة الجهود من أجل تفعيله وتحويل منطقتنا إلى فضاء يسوده الاستقرار والتعاون والرخاء المتقاسم»، وفي ذلك الحين أعلن الرئيس التونسي عن زيارته إلى الجزائر حيث سيبحث مسألة تفعيل اتحاد المغرب العربي، كما تحدث عن ضرورة تنشيط هذا الاتحاد عندما زار ليبيا في أول زيارة يقوم بها إلى الخارج منذ توليه الحكم قبل شهرين من الآن، وقال «المرزوقي» إنه سيسعى تنشيط الاتحاد بمن خلال الدعوة إلى إطلاق ما سماها الحريات الخمس، وهي حرية التنقل، وحرية التملك، وحرية العمل، وحرية الاستقرار، والحق في المشاركة في الانتخابات البلدية بالنسبة للمقيمين. رؤية الجزائر كما عبّر عنها الرئيس «بوتفليقة» تقوم على اعتبار التحول نحو الديمقراطية في المنطقة المغاربية عاملا مساعدا على بناء الاتحاد المغاربي، وهي رؤية تتبناها تونس، حيث سبق للمرزوقي أن اعتبر أن «النظامين الديكتاتوريين في تونس وليبيا كانا عقبتين في وجه اتحاد المغرب العربي»، غير أن إشارات الرئيس «بوتفليقة» لم تتعرض إلى النظامين بقدر ما كانت تنبه إلى أن الديمقراطية التي تقوم على احترام إرادة الشعب ستؤدي في النهاية إلى تجسيد الوحدة المغاربية التي هي في الأصل مطلب لشعوب المنطقة تم التعبير عنه بوضوح من خلال مؤتمر طنجة سنة 1958. الجزائر تبدو متجاوبة بشكل إيجابي مع مساعي تفعيل الاتحاد حيث أشار مصدر دبلوماسي إلى أنها «أول من دعا إلى إعادة بعث مؤسسات وهياكل اتحاد المغرب العربي، حتى أثناء الأزمة الليبية»، وأضاف المصدر أن «تقوية العلاقات الثنائية بين دول المنطقة هي أفضل وسيلة لتحقيق التكامل والاندماج المغاربي»، ويأتي التأكيد على أولوية بعث الاتحاد المغاربي في سياق مساع يتم بذلها على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف من أجل استئناف أنشطة هياكل الاتحاد، وقد سبق لوزير الخارجية «مراد مدلسي» أن أعلن في مطلع الشهر الماضي عن عقد اجتماع يضم وزراء الشؤون الخارجية لبلدان اتحاد المغرب العربي قبل نهاية شهر فيفري الجاري في المغرب بحضور كل بلدان الاتحاد، وقال «مدلسي» إن «اتحاد المغرب العربي يعد صرحا يستدعي تنظيما جديدا لعلاقاتنا وتعديلا للبعض من مؤسساتنا، فضلا عن استحداث آليات جديدة»، وسبق لوزير الخارجية أن أشار إلى أن هذا الاتحاد «أصبح أمل الجزائر وكل المغاربة»، وربط فشله «بعدم التوافق ما بين سياسات اقتصادية كانت أو غيرها»، ودلل على ذلك بالقول «على سبيل المثال الجزائر كانت منذ 20 سنة تعمل على أساس نظامي ممركز في القطاع العام شبه محتكر للعلاقات الاقتصادية والإنتاج والمغرب كان آنذاك منفتحا على الليبرالية»، فضلا عن اختلاف الأنظمة السياسية غير أنه لاحظ أنه «بعد التحولات الحديثة وما جرى من أحداث في بلدان عربية أصبحت تلك الأنظمة شيئا فشيئا تتقارب سياسيا».