مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في العاشر من ماي القادم تواصل السلطة تقديم ضمانات نزاهة الاقتراع، في حين تبدو الأحزاب عاجزة عن مجاراة هذا الإيقاع السريع وتفضل التمسك بخطابها التقليدي عن التزوير، أو بالتشكيك في نوايا السلطة حيال هذا الاستحقاق. تم تعيين اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات التشريعية والتي تتشكل من 316 عضوا هم قضاة من المحكمة العليا، ومجلس الدولة، والجهات القضائية الأخرى، وستكون هذه أول انتخابات تجري تحت إشراف قضائي في تاريخ الجزائر المستقلة، حيث تتولى هذه اللجنة النظر في كل الشكاوى المرفوعة إليها بخصوص سير العملية الانتخابية، كما أن لديها صلاحيات إخطار النائب العام المختص إقليميا عن طريق اللجان الفرعية على المستويات المحلية، وتضاف هذه اللجنة إلى آليات كثيرة للمراقبة تهدف إلى إعطاء مصداقية للاقتراع وتبعد عنه شبهات التزوير، ولعل من بين أهم الإشارات التي تعكس الحرص على نزاهة الانتخابات هي حرص الجهات الرسمية على أن تكون الأحزاب السياسية والمرشحون الأحرار ممثلون في كل مراكز الاقتراع ضمن تشكيلة اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات. الرئيس بوتفليقة كان قد أكد في خطابه الأخير للأمة على أهمية انخراط المواطنين والأحزاب في مراقبة الانتخابات، وهو ما يضع أحزاب المعارضة أمام مسؤولية حماية أصوات الناخبين، وقد أثبتت تجارب سابقة أن معظم الأحزاب عاجزة عن تعيين ممثلين عنها في مراكز الاقتراع، وقد ظهرت مؤخرا دعوات لتشكيل تحالفات حزبية بهدف مراقبة الانتخابات، غير أن الفكرة لم تتبلور إلى حد الآن على شكل تحرك سياسي على الأرض. تصريحات المسؤولين بدأت تتجه إلى تحميل الأحزاب السياسية مسؤوليتها في تجنيد المواطنين للمشاركة في الاقتراع، ومراقبة سير العملية في مختلف مراحلها، وتشير وزارة الداخلية إلى أن أحد أهم العوامل المؤثرة في توجهات الناخبين هي البرامج التي تقترحها الأحزاب والشخصيات التي ترشحها ضمن قوائمها، وقد سبق لوزير الداخلية السابق يزيد زرهوني أن اعتبر تدني المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 دليلا على عجز الأحزاب عن التجنيد، وعدم قدرتها على تقديم بدائل عملية لمعالجة المشاكل التي تواجه المواطن في حياته اليومية، وقد يبقى هذا الحكم صالحا لمزيد من الوقت بالنظر إلى كيفية تعاطي الأحزاب مع الإصلاحات السياسية التي تم اعتمادها، وطريقة استعدادها للانتخابات المقبلة. الحركية التي كان من المفروض أن تطلقها الإصلاحات السياسية انحصرت إلى حد الآن في الإعلان عن تشكيل أحزاب جديدة، أو استكمال شروط الاعتماد لأحزاب قديمة تم الإعلان عن تأسيسها قبل سنوات دون أن تعتمد رسميا، كما شهدت الساحة بعض المناوشات بين أحزاب من التحالف الرئاسي ومن المعارضة، كما حدث بين حزب العمال والإسلاميين، وبين الإسلاميين أنفسهم، أو بين أحزاب إسلامية وأحزاب في التحالف الرئاسي، ولم تظهر هذه المناوشات الكلامية أي معالم لتحالفات سياسية، بل إنها أخذت في بعض الأحيان صفة الجدل العقيم الذي يعكس خلافات شخصية دون أي عمق سياسي. هذه الوضعية كرست صورة الأحزاب السياسية العاجزة عن تقديم بدائل حقيقية، وهي صورة سلبية تشكلت خلال أكثر من عقدين من الممارسة السياسية التعددية في الجزائر، حيث تحول العمل السياسي إلى نشاط موسمي مرتبط بالانتخابات التي تمثل فرصة للبعض لتحقيق مكاسب شخصية قد لا تكون على علاقة بالعمل السياسي أصلا، ومع مرور الوقت أصبح الجزائريون ينظرون إلى العمل السياسي على أنه نشاط مصلحي تمارسه فئة معينة من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، ولم تجتهد الأحزاب إلى حد الآن في تغيير هذه الصورة السلبية بل تتجه نحو تقديم مزيد من الأدلة لإثباتها. الفارق الذي يجب أن تراعيه الأحزاب في الانتخابات القادمة هو أنها ستكون مقدمة لمرحلة بالغة الأهمية، فالبرلمان الذي سينتخبه الجزائريون في شهر ماي المقبل هو الذي سيتكفل بتمرير مشروع التعديل الدستوري الذي قد يكون عميقا، ومن هنا فإن الأهم سيأتي بعد الانتخابات وليس قبلها، وفي الوقت تعطي هذه الخصوصية مزيدا من الأهمية لهذا الاستحقاق. الجانب القانوني والتنظيمي تم غلقه بمجرد اعتماد قانون الانتخابات الجديد، وهو ما يعني أن الحديث عن هذه القضايا تجاوزه الزمن، والأهم هو التركيز على الضمانات التي تقدمها السلطة على أعلى المستويات، وهي ضمانات سياسية، وقانونية، وتنظيمية أيضا، وبدل التشكيك في النوايا سيكون من الواقعية البحث عن طريقة تجعل الضمانات التي قدمها الرئيس بوتفليقة، وممثلو الإدارة، ورقة في أيدي الأحزاب والمترشحين الأحرار، والمشتغلين بالشأن العام من أجل جعل الانتخابات القادمة نزيهة وبداية لتجسيد إرادة الناخبين، غير أن الذي يحدث إلى حد الآن يبدو مغايرا تماما، فالتركيز منصب من قبل الأحزاب على محاكمة النوايا بدل استغلال المساحات المتسعة في الميدان السياسي. كل الذين تحدثوا عن الانتخابات بدأوا بالتكهن بالنتائج، والغريب أن الذين يتوقعون الفوز لم يقدموا برامج سياسية مفصلة لأنهم مقتنعون بأن الناخب الجزائري سيصوت على العناوين والشعارات وليس على البرامج، وهذا يعني ببساطة أن المعنيين يخاطبون ناخبي تسعينيات القرن الماضي، والحقيقة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في جزائر اليوم تبدو مختلفة بشكل جذري عن الأوضاع التي سادت قبل عقدين من الآن، ومن لا يقدم مقترحات عملية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية لن يغري الناس بالذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم العاشر من ماي.