أعادت تصريحات رئيس الحكومة المغربية التي اعتبر فيها أن القمة المغاربية ستكون شكلية مادامت الحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة جهود إعادة بعث اتحاد المغرب العربي إلى نقطة البداية، ورغم أن الخلافات بين الجزائروالرباط معروفة، إلا أن هذه التصريحات تعتبر انتكاسة على مسار التوافق على منهجية لإعادة بعث الاتحاد. معالم التوافق حول الصيغة التي تعتمد من أجل إعادة تنشيط الاتحاد المجمد منذ سنة 1994 بطلب من المملكة المغربية، كانت قد برزت خلال الأشهر القليلة الماضية، فقد تبادلت الجزائروالرباط منذ السنة الماضية الزيارات الوزارية، وتم بحث القضايا الثنائية، وقد توجت هذه الجهود بتقارب سياسي واضح وصل إلى حد الحديث عن إعادة فتح الحدود الذي قال وزير الخارجية مراد مدلسي بأنه سيكون تتويجا منطقيا للجهود المبذولة من الطرفين من أجل إعادة بناء العلاقات بينهما. الحديث عن تاريخ انعقاد القمة المغاربية التي من المنتظر أن تحتضنها تونس أعاد إلى الواجهة خلافا عميقا حول الأهداف التي يتوخاها كل طرف من إعادة بعث الاتحاد، فرغم أن الجزائروالرباط متفقتان على أنه من السابق لأوانه الحديث عن تاريخ لانعقاد القمة فإن المبررات تبدو مختلفة بينهما، فالجزائر تعتبر أن”تاريخ انعقاد هذه القمة لا يزال محل مشاورات، وسيتم تحديده عند استكمال المسار التحضيري لضمان أفضل شروط النجاح لهذا الموعد الهام”، في حين أن الرباط تربط الأمر كله بالعلاقة مع الجزائر وتعتبر أن معيار نجاح القمة هو فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين، وهذا يشير بوضوح إلى أن الرباط تتحرك وفق أهدافها الخاصة وأنها تريد أن تحقق مكاسب اقتصادية لا تعني بالضرورة بقية دول اتحاد المغرب العربي. هذا الموقف من جانب الرباط يمثل تراجعا عن الالتزام السابق بالسير نحو حل كل القضايا التي تعيق إعادة بعث الاتحاد على أن يكون الوصول إلى فتح الحدود كنتيجة لعملية إصلاح شاملة للعلاقات بين البلدين، وقبل أشهر كان الناطق باسم الحكومة المغربية السابقة خالد الناصري قد أكد أنه تم الاتفاق بين الجزائر والمغرب، وعلى أعلى مستوى، على منهجية تطبيع العلاقات بين البلدين، وتقوم هذه المنهجية على مسألتين أساسيتين، الأولى هي جعل فتح الحدود تتويجا لعملية مراجعة شاملة للعلاقة بين البلدين، والثانية هي استبعاد قضية الصحراء الغربية وتركها في مسارها الأممي، ولعله من المهم الإشارة هنا إلى أن هذه المقاربة لم يتم الاتفاق عليها بين البلدين فحسب بل كانت محل توافق مع الرئيس التونسي منصف المرزوقي الذي أبدى حماسا كبيرا لمسألة بعث الاتحاد وجعل عقد قمة مغاربية من أولويات سياسة تونس الخارجية. خلال زيارته إلى الجزائر في شهر فيفري الماضي، ضمن جولة مغاربية، تحدث الرئيس التونسي عن العمل من أجل حل المسائل العالقة أولا وقال “هذا المبدأ أصبح محلّ توافق ونحن سنسعى الآن إلى دعوة اللجان المختصة حتى نعد لهذه القمة دراسة معمقة وطرحا جديا لكل المشاكل العالقة”، وهو ما سيسمح بأن ” تكون القمة المغاربية خارقة للعادة بأتم معنى الكلمة” حسب تعبيره، كما أنه أشار إلى قضية الصحراء الغربية أيضا واعتبر أنها “هي التي أوقفت لحد الآن الاتحاد المغاربي وتسببت في حدوث الكثير من المشاكل”، وطرح خيارين للتعامل مع هذا الوضع “إما التعامل مع هذه القضية أولا وبعدها نمر إلى بناء الاتحاد”، وقدر أنه “إذا اتخذنا هذه المنهجية فإننا لن نتقدم ولا خطوة واحدة إلى الأمام”، ولذلك فإن الاتفاق حصل على ترك هذه القضية جانبا التي يجب الإقرار بأنها “تبقى موجودة وشائكة وصعبة ومؤلمة إنسانيا”، لكن في مقابل ذلك “يجب الاعتراف بوجودها وعدم تجاهلها ولكن في الوقت الحاضر هي قضية من مسؤولية منظمة الأمم المتحدة”، وهذا الموقف أكده وزير الخارجية المغربي في الاجتماع الوزاري المغاربي الذي عقد في الجزائر مؤخرا. مسألة الصحراء الغربية عادت هي الأخرى على لسان بن كيران الذي قال في حديثه إن ”الشعبين المغربي والجزائري تربطهما علاقات الأخوة والمحبة” لكنه عقب بالقول”مع الأسف الشديد القيادة الجزائرية لها رأي آخر وتعاكسنا في وحدتنا الترابية”، ولا تبدو هذه التصريحات منسجمة مع الالتزام السابق باستبعاد القضية الصحراوية من مسار العلاقات الثنائية ومن جهود إحياء الاتحاد المغاربي. عدم ثبات الرباط على موقف واحد يؤكد أن الأهداف التي تتوخاها المملكة من العمل المغاربي المشترك تنحصر في إعادة فتح الحدود الذي يمثل أولوية اقتصادية بالنسبة للمغرب في الظرف الحالي، فالأزمة الاقتصادية التي تضغط على أوروبا أصبحت آثارها ظاهرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، والجزائر أصبحت الآن تمثل بديلا مهما على صعيدين، الأول هو السياحة حيث تمثل حركة السياح الجزائريين في اتجاه الدول المجاورة مصدرا مهما للعملة الصعبة، وقد سعت تونس إلى استقطاب الملايين من الجزائريين من خلال قرارها بالسماح للرعايا الجزائريين بالدخول إلى تونس باستعمال بطاقة التعريف الوطنية، وتدرك الرباط أن تراجع أعداد السياح الأوروبيين بسبب الأزمة يمكن تعويضه بالسياح الجزائريين. على صعيد اقتصادي أشمل يمثل فتح الحدود أحد شروط لضمان جدوى المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تم إطلاقها في المملكة مثل ميناء طنجة ومصنع السيارات بها، فضلا عن تنمية المناطق الحدودية التي تضررت كثيرا بسبب غلق الحدود، غير أن هذه الأهداف ليس فيها ما يمكن أن يكون قاعدة مصالح مشتركة بين البلدين أو يمثل مصلحة تتقاسمها كل دول اتحاد المغرب العربي. فوق هذا كله لا تكتفي الرباط بإقحام قضية الصحراء الغربية بل تصر على انتزاع تنازلات من الجزائر التي تؤكد أن مواقفها مبدئية وأنها ليست طرفا في هذا النزاع. عودة المغرب إلى مواقفه التقليدية يؤكد أن العمل المغاربي المشترك لا يزال متأخرا على سلم أولويات دول المنطقة، وهو ما يعني أن التمسك بالمقاربة الجزائرية لإعادة بعث الاتحاد هو الضامن الوحيد لمنع تكرار التجربة الفاشلة التي أدت إلى المأزق الذي وقع فيه الاتحاد قبل ثمانية عشر عاما ولم يقدر على تجاوزه إلى اليوم. إبراهيم عبد الله * شارك: * Email * Print