أثار السفير المصري لدى الجزائر عز الدين فهمي مجددا موقف الجزائر من الأزمة المصرية عندما أكد في تصريحات له نشرت أول أمس أن الجزائر تتفهم جيدا الوضع السائد فى مصر، وأنها تلعب دورا فاعلا وإيجابيا لصالح مصر في المحافل الدولية والإفريقية خاصة. السفير المصري ركز بصفة خاصة على الجهود التي تبذلها الجزائر من أجل إنهاء العزلة القارية للقاهرة بعد تعليق عضويتها في الاتحاد الإفريقي على إثر عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي من السلطة بعد مظاهرات حاشدة طالبته بالرحيل، وقد أشار فهمي إلى "أن الجزائر أجرت مشاورات مع الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن الإفريقي فى الجلسة التي عقدت في اليوم التالي لمغادرة نائب وزير الخارجية للشئون الأفريقية المصري للجزائر، مشيرا إلى أن تقرير اللجنة كان به العديد من العناصر الإيجابية إلى حد ما"، ولا يقتصر الأمر على الاتحاد الإفريقي بل يتعداه إلى الأممالمتحدة والجامعة العربية بالنظر إلى العلاقات الطيبة التي تربط الجزائر ببقية الدول". هذه التصريحات تضاف إلى قرار سابق بتزويد مصر بباخرتين من غاز البوتان، يتم تفسيرها على أنها دعم من جانب الجزائر لأحد طرفي الأزمة السياسية التي تعصف بمصر منذ شهور، والتي بلغت ذروتها مع عزل الجيش للرئيس المنتخب محمد مرسي، غير أن هذه القراءة السياسية تمثل أحد تجليات الاستقطاب السياسي الشديد الحاصل على الساحة المصرية والذي تعدت آثاره حدود مصر، حيث يجري تصنيف مواقف الدول في خانتين، مع مرسي أو ضده، مع أن الأزمة أكثر تعقيدا من هذه النظرة المبسطة والسطحية. أهم ملاحظة يمكن تسجيلها على الموقف الرسمي الجزائري من مصر كما رسمه السفير فهمي هي أنه موقف يتجه إلى دعم الدولة المصرية، وهو أمر منسجم تماما مع المبدأ الذي تقوم عليه السياسة الخارجية الجزائر والذي يقول بالتعامل مع الدول وليس الأنظمة، فهناك اعتراف بالدول وتعامل معها عبر قنوات رسمية، وهذا الأمر ينسحب على مصر وليبيا وسوريا وتونس وبقية البلدان العربية التي شهدت ما يعرف بالربيع العربي، وسبق للجزائر في ذروة الاحتجاجات المصرية على نظام مبارك أن أكدت أنها تقف مع الشعوب وليس مع الأنظمة، وأنها في كل الأحوال لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. سواء تعلق الأمر بالتعاملات الاقتصادية أو الدعم الدبلوماسي فإن الموقف الجزائري يبدو بعيدا عن التدخل في الشأن المصري بدعم فريق ضد آخر، بل هو مرتكز أساسا على المصالح الجزائرية وعلى مبادئ السياسة الخارجية، فمصر تمثل نقطة توازن مهمة في السياسات الإفريقية والعربية للجزائر التي تحتفظ بقوة تأثير لا يستهان بها في المحيط الإقليمي، وهذه الحسابات الاستراتيجية لا تتأثر بطبيعة الأنظمة الحاكمة في الدول الأخرى ولا حتى بعلاقة الجزائر بهذه الأنظمة، ويمكن العودة إلى الأزمة التي عصفت بعلاقات الجزائر بمصر في سنة 2009 لفهم هذه التوجهات، حيث لم تغير تلك الأزمة في شيء مواقف الجزائر على مستوى المنظمات الإقليمية ولم تتردد في دعم مرشحين مصريين لشغل مناصب في منظمات دولية حفاظا على توازنات إقليمية، ورغم فتور العلاقات الاقتصادية بعض الشيء بسبب قرارات القاهرة في عهد مبارك إلا أن الجزائر أبدت تعاونا كبيرا خاصة عندما تعلق الأمر بتموين مصر بغاز البوتان. الموقف الجزائري بعد سقوط نظام مبارك كان واضحا، فقد انتعشت العلاقات بين البلدين، فبعد استقبال الرئيس بوتفليقة السفير عز الدين فهمي الذي سلمه أوراق اعتماده قبل أكثر من سنتين من الآن، وقبل انتخاب مرسي رئيسا لمصر، وقال السفير إن صفحة جديدة في العلاقات الأزلية بين البلدين قد بدأت بما يحقق الخير للشعبين العظيمين ، وأضاف إن هناك دعما كبيرا وجده من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة خلال مراسم استلام أوراق اعتماده كسفير مفوض فوق العادة لمصر بالجزائر ، ووصف اللقاء الذي دام ساعة ونصف بأنه كان وديا للغاية ولمس خلاله محبة الرئيس بوتفليقة، الذي أشاد بشخصيته وخبرته الكبيرة ورؤيته وتقديره الثاقب للأمور، لمصر وشعبها، كما أثنى السفير المصري على ترحيب الرئيس الجزائري به والانفتاح والدعم الذي أكد أنه سيلقاه في الجزائر حكومة وشعبا. وفي عهد الإخوان استمرت العلاقة بين البلدين في التطور إيجابيا، وقد زار رئيس الوزراء المصري السابق هشام قنديل الجزائر فضلا عن وزراء آخرين، كما استقبل الرئيس المصري المعزول وزير الخارجية الجزائري، غير أن القاهرة بدت أكثر اهتماما بالمشرق العربي، وجعلت أولويتها تمتين العلاقة مع دول الخليج فضلا عن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبناء الثقة مع إسرائيل، بل إن إحدى الأخطاء الأساسية التي تحسب على الإخوان أنهم أساءوا إدارة علاقاتهم الإفريقية وقد تجلى إخفاقهم في تسيير أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، ولعله من المهم هنا التذكير بتحليل محمد حسنين هيكل عندما صرح بأنه كان يتوقع لجوء مصر إلى الاستعانة بالجزائر من أجل حل هذه الأزمة باعتبار النفوذ الكبير للجزائر في الاتحاد الإفريقي. من هنا يمكن القول أن ما تطلبه حكومة الببلاوي من الجزائر اليوم هو ما كان متوقعا أن تطلبه حكومة هشام قنديل، ومن المؤكد أن استجابة الجزائر في الحالتين كانت ستكون واحدة، وهذا أمر لا علاقة له بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وهو بعيد تماما عن محاولات استغلال هذه الأزمات لتسيير الوضع الداخلي، فلم يحدث أن أثرت التطورات الجارية في مصر منذ قرابة ثلاثة أعوام في الاستقرار السياسي في الجزائر، ولم تكن العلاقة المتوترة مع نظام مبارك لتدفع باتجاه مواقف متشنجة من الاحتجاجات التي اندلعت ضده، كما أن سقوط الإخوان في امتحان سياسي معقد لن يجبر الجزائر على التخلي عن المبدأ الذي حكم علاقاتها بالدول العربية وهو أن التعامل يتم مع الدول وليس مع الأنظمة، وقد أثبتت الأيام أن الأنظمة الجديدة التي اتخذت مواقف سلبية من الجزائر راجعت مواقفها وهي الآن تراهن على علاقة متينة ومستقرة معها.