يبين كتاب «بوشكين والقرآن»، لمؤلفه مالك صقور، أن الشاعر الروسي الراحل كان قد وجد في القرآن الكريم ملهماً لفكره وإبداعه، الشعري خاصة، كما أنه كان قد أعجب بشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ويشير الكتاب إلى أنه يعتبر بوشكين أباً للأدب الروسي، ومؤسس اللغة الروسية المعاصرة، وشاعر الحرية، إذ هدّد القياصرة وهجاهم وهاجمهم، وهاجم العبودية والقنانة، كما كتب قصائد الحب وتغنى بالوطن، وكتب الرواية التاريخية والاجتماعية وفضح المجتمع الراقي. ويوضح صقور أن بوشكين اهتم بالقرآن الكريم، وشغف به، ومن فرط إعجابه به، تأثر بآياته الكريمة، وبسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب قصيدة من تسعة مقاطع بعنوان: «محاكاة القرآن». ويذكر المؤلف أنه نشطت الترجمة في عهد القيصرة كاترين (1762 – 1792)، وطبعت ترجمة «فيريوفكين» للقرآن الكريم، وهي الترجمة التي استخدمها الشاعر بوشكين، وقد قرأ الشاعر كل ما وصل إلى روسيا عن العرب والإسلام، كما وقع تحت تأثير كتاب «ألف ليلة وليلة» وسطوته. وقرأ بوشكين القرآن العظيم باللغتين الروسية والفرنسية، وفي عام 1820 كان منفياً إلى الجنوب فكتب رسالة قصيرة إلى أخيه، يقول فيها: «إنني مشغول بكلمات القرآن». ولكن بوشكين لم يكتف بالقراءة فقط، بل طلب أن يسمع ترتيل القرآن الكريم وباللغة العربية، إذ أسرته شاعريته العفوية وموسيقاه. يوضح صقور أنه تتألف قصيدة «محاكاة القرآن» من تسع مقطوعات مختلفة الطول والبحر، وتتناسب مع الآيات القرآنية الكريمة التي اقتبس منها بوشكين وأسس أشعاره عليها. إذ يستهل الشاعر قصيدته بالقسم، ويقتبس من القرآن الكريم الكثير من العبارات حرفياً. كما يذكر فيها بقصة هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ولجوئهما إلى «غار حراء». وأيضاً يقتبس بوشكين أبيات «المحاكاة الثانية» من سورة «الأحزاب»، وموضوعها (العفة والحشمة والخطيئة)، متخذاً من هذه الآيات مثالاً يقتدى به «صار عليكن أن تحتشمن بالحجاب وتحافظن على القلب الوفي.. اتقاءً للعين الماكرة كي لا ترى وجوهكن». وفي «المحاكاة الثالثة»، يستند الشاعر إلى سورة «عبس»، فيقول: «عبس النبي وامتعض لسماعه اقتراب الأعمى». بعد ذلك ينتقل بوشكين إلى وصف يوم القيامة، مستلهماً من سورة «النبأ» فيقول: «يهرب الأخ من أخيه، ويفر الابن من أمه». ثم ينتقل إلى آية «النور»: «هو الرحيم على محمد.. أنزل القرآن المقدّس.. بترتيله نقلنا إلى النوّر.. وانقشعت الغشاوة عن العيون». ويؤسس بوشكين على الآيات التي ترتكز على العطاء وعلى الصدقات والزكاة، وعلى فعل الخير. كما يركز على يوم الحساب الرهيب، ويقول: «وفي يوم الحساب الرهيب يتساوى الحقل والغيم.. إيه يا ناثر الخير.. نتائج أعمالك ستعود عليك». ويذكر الكتاب أنه أولى الشاعر أهمية لقضية البعث والنشور.. وهذا ما يقصده الشاعر بقوله: «ساعتها حصلت معجزة الصحراء، وانبعث الجديد من القديم». إن بوشكين كان يشبه نفسه «بعابر السبيل» المنفي التائه، القانط، وكان يستمد من الضعف قوّة، من أجل الاستمرار في الحياة القاسية، لذا كان يؤمن بالانبعاث الجديد ويؤمن بتدفق الحياة والشباب في دمه. ويرى المؤلف أن اهتمام بوشكين بالقرآن الكريم وانجذابه إليه، يعود لجملة أسباب، ومنها:اهتمام أوروبا وروسيا بالمشرق العربي وثقافته، طبيعة موهبته وقدراته العقلية على استيعاب ثقافات أخرى تغني الثقافة الروسية، الوضع السياسي والاجتماعي والحالة النفسية للشاعر. Share 0 Tweet 0 Share 0 Share 0