شرع "فريد" في الخروج من عمله في وقت مُبكّر، رغم ضغط العمل الذي تشهده الشركة في تِلك الفترة من العام. لم يكن لديه دافع للخروج مُبكّرا، إلا أنه قد شعر ببعض الضيق الذي جعله يُقدّم طلباً لرئيسه المُباشر للخروج من العمل. في طريقه للخروج وجدهم يتجمّعون، حاول أحدهم أن يناديه، فأسرع الخُطى مُتظاهراً بمحاولة اللحاق بالمصعد. لحق بالمصعد.. تنفّس الصعداء.. لم يعد يحتمل التظاهر بالصلاة أمام زملائه وجيرانه..، تنهّد وهو ينوي الاستمرار كي يرتقى بصورته أمام الجميع. خرج من المبنى إلى الهواء النقيّ، ووضع لفافة تبغ في فمه، قبل أن يشعلها بعود ثقاب. كان يشعر بأن هذا الدُخّان الذي يسحبه يقوم بعملية تعتيم داخلي له، ولهذا أحبّها وأحب رائحتها التي تشعره بالغموض أو بالهروب.. فاجأه السعال كالعادة، فراوغه كي لا يطفئها في تلك الدقائق التي ينتظر فيها الحافلة التي تقلّه إلى منزله الذي انتقل إليه حديثاً. انتهت رحلته مع لفائف التبغ مؤقتاً حينما وصلت الحافلة، صعد ليجلس على أحد مقاعد الصف الأخير، امتقع وجهه عندما التقى جاراً له. كان القلق مُرتسماً على وجه جاره الذي سأله عن غيابه في اليومين الماضيين، فأعطاه إجابة مُعَلّلة بالمرض. عندما هبطا من الحافلة كانا قد اتّفقا على أن يلتقيا في صلاة العشاء. ***** بعد غروب الشمس نادته نغمات هاتفه، ليقوم بالرد على صوت أنوثي ناعم. وضعا موعداً لرسم عبثهما المجنون بعد ثلاث ساعات. ***** رفع أحدهم أذان الإقامة لصلاة العِشاء في المسجد القريب. قبل أن يطلب المُصلّون من "فريد" أن يكون إماماً لهم. لم يجد فرصة للتنحّي. قبل التشهّد الأخير كان سجوده طويلا.. أدركوا بعد حين أن روحه قد صعدت إلى بارئها.. بكى الحاضرون بعد أن فشلت جهودهم في محاولة إبقاء الروح في جسده.. قال أحدهم.. "طوبى له.. ليتني مثل «فريد»"، فردد وارءه الحاضرون.." آمين"!!.