تحتل هضبة الجولان موقعا حاسما في قضايا الحرب والسلام في الشرق الأوسط، فمن هذا الموقع يمكن للسلام أن يعمّ المنطقة ومن هذا الموقع يمكن للحرب أن تدوم إلى أجل غير محدد، وهذا التقدير للمرتفعات السورية لم يكن حتى وقت قصير يتناسب مع التقدير الإسرائيلي والغربي، فالصهاينة يعتبرون أن الهضبة ضئيلة المساحة ويمكن لسوريا الاستغناء عنها والعيش دونها بدليل أنها "تعايشت" مع الاحتلال خلال العقود الأربعة الماضية، ويوافقهم غربيون القول بأن الجولان لا يتمتع بالنسبة لسوريا بمزايا جيوستراتيجية شبيهة بقناة السويس أو باب المندب أو الدردنيل والبوسفور، وبالتالي ليس عقدة في الحرب والسلام في الشرق الأوسط فما بالكم في العالم. وإذا كان صحيحا أن سوريا تعايشت مع الاحتلال الإسرائيلي للمرتفعات المذكورة في العقود الماضية فالصحيح أيضا أن هذا التعايش كان هادئا في ظاهره ومضطرما في الواقع، ذلك أن الهدوء على هذه الجبهة أتاح لدمشق التفرغ للمواجهة في الجبهات الأخرى المفتوحة في فلسطين ولبنان والعراق وبالتالي لعب أدوار لوجستية حاسمة في نهوض التيار المقاوم في تلك الجبهات ومن خلال هذا الدور اللوجستي كان الجولان وما زال يشكل كلمة السر الكبيرة، ولو كان الجولان مهملا وغير ذي بال ولا يعتد بقيمته الاستراتيجية لما قفز مجددا إلى الواجهة بعد حرب لبنان عام 2006 وفشل الاحتلال في العراق وأفغانستان وما نجم عنه من تغيير جوهري في الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، لكن كيف ولماذا توصّلت مرتفعات الجولان إلى شغل هذا الموقع الحاسم في قضية السلام والحرب في الشرق الأوسط؟ الإجابة عن هذا السؤال تقتضي العودة إلى الوراء والانطلاق من الموقع الجيوستراتيجي للهضبة. الموقع الجيوستراتيجي يتشكل موقع الجولان المحتل من هضبة من الصخور البازلتية تحتل مساحة 1250 كلم2 أو أكثر بقليل على هيأة منخفض بين جبل «العرب» أو جبل «الدروز» وجبل ««الشيخ»» أو «حرمون» الذي يرتفع إلى 2814 مترا عن سطح البحر ومرتفعات «عجلون» 1243 مترا وتمتد الهضبة نحو الجنوب باتجاه منطقة «إربد» في شمال الأردن وفي الشرق وشمال شرق تتواصل مع بادية الشام أو الصحراء السورية، وتطل لجهة الغرب على سهل «الحولة» وبحيرة «طبرية» الواقعة على انخفاض 211 مترا تحت سطح البحر، ويفصلها عنها منحدر منفرج، وتتصل الهضبة أخيرا من جهة الشمال بصعوبة مع «الجليل الأعلى» في فلسطين التاريخية وامتداداتها على مرتفعات جنوب لبنان وهي تحتوي على المخزون المائي الأهم في المنطقة. /////////////////////////////////////////// ضمّت إسرائيل الجولان بقرار من الكنيست عام 1981 أدانه مجلس الأمن الدولي بقرار فوري صدر بإجماع أعضائه, ومنذ ذلك الحين لم يتغير الوضع القانوني للجولان. ///////////////////////////////////////////// احتلّت إسرائيل الجولان في حرب الأيام الستة عام 1967 وقامت تباعا بتدمير 163 قرية و108 من الدساكر والمزارع السورية وطردت 153 ألفا من سكانها جريا على منهجها في التطهير العرقي منذ احتلال فلسطين، ولم يبق من سكان الجولان بعد التطهير إلا 15 ألفا يتوزّعون على خمس قرى مقابل عشرات المستوطنات التي تضم عشرين ألف صهيوني موزعين على 37 مستوطنة، وقد بادر المحتل في خرائطه الحالية إلى تغيير أسماء القرى والمدن التي تحمل أسماء عربية واستبدلها بأسماء عبرية وضمّ القطاع رسميا إلى الإدارة الإسرائيلية عام 1981 وصار المصدر الأول للمياه في إسرائيل (40 % من حاجتها). ويذكر أن مصر وسوريا أعلنتا الحرب على إسرائيل في ال6 أكتوبر عام 1973 لاستعادة أراضيهما المحتلة عام 1967 ودارت المعارك في الأيام الأولى لصالح العرب إلى أن تمكّنت إسرائيل عبر مساعدة أمريكية لوجستية ضخمة من استعادة زمام المبادرة وتحجيم التقدم العربي إلى الحد الأدنى، وفي ال14 ديسمبر من عام 1981 ضمت إسرائيل الجولان بقرار من الكنيست، أدانه مجلس الأمن الدولي بقرار فوري شهير في ال17 ديسمبر، حمل الرقم 350 وصدر بإجماع أعضائه. منذ ذلك الحين لم يتغير الوضع القانوني للجولان وكان لا بد من انتظار العام 1991 حتى تبدأ المفاوضات بين الطرفيين حول مصيره. مسار المفاوضات بدأت التسعينيات بسقوط الإمبراطورية السوفييتية، الأمر الذي حرم سوريا من حليفها الاستراتيجي الأوحد على الصعيد الدولي، مما دفع الرئيس الراحل «حافظ الأسد» إلى إعادة تقييم سياسته الخارجية التي كانت تتمحور حتى تلك اللحظة حول الانسحاب من الجولان دون قيد أو شرط استنادا إلى القرارات 224 و338 و350 الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وقد أدى دخول العراق إلى الكويت عام 1990 إلى توفير فرصة للرئيس الراحل «حافظ الأسد» للتفاهم مع الغرب عبر المشاركة في إخراجه من الكويت عام 1991، وقد توّج هذا التفاهم في نهاية السنة نفسها بافتتاح المفاوضات بين سوريا وإسرائيل حول الجولان تحت شعار "مبادلة الأرض بالسلام"، بيد أنها لم تفض إلى نتيجة حقيقية وكان لا بد من الانتظار حتى انتخاب «إسحاق رابين» وتوقيع اتفاقات «أوسلو» عام 1993 لمعاودة المفاوضات عام 1994، ولتعلن سوريا للمرة الأولى أن السلام هو خيارها الاستراتيجي ولتقبل للمرة الأولى أيضا التفاوض مع إسرائيل مباشرة ودون وسيط، وبالمقابل اعترفت تل أبيب رسميا بالقرار 242 و338 المتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة، واستؤنفت مفاوضات أخرى بين الطرفين في «واي ريفر» عام 1995 لكنها توقفت في أفريل 1996 عندما شنّت إسرائيل عملية عناقيد الغضب في جنوب لبنان، وتلا ذلك انتخاب «بنيامين نتنياهو» رئيسا للحكومة، فتوقفت المفاوضات ثانية حتى وصول «إيهود باراك» إلى السلطة في ال17 ماي عام 1999 لتتعثر المفاوضات مرة أخرى بسبب الخلاف حول عشرات الأمتار المحاذية لبحيرة «طبرية». مفاوضات العام 2008 مع هزيمة إسرائيل في حرب العام 2006 وتصاعد المقاومة في غزة وفشل الولاياتالمتحدة في العراق وتعثرها في أفغانستان، عادت الجولان إلى الواجهة في ظل بيئة أمنية مختلفة في الشرق الأوسط، وعقب فشل المفاوضات انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان دون قيد أو شرط وتمركزت "المقاومة اللبنانية" على خط الهدنة المباشر مع الدولة العبرية واستؤنفت أعمال المقاومة من أجل تحرير مزارع «شبعا» وتلال «كفر شوبا» ومطالب لبنانية أخرى وذلك برعاية سورية، ومع هزيمة إسرائيل في حرب العام 2006 وتصاعد المقاومة في غزة وفشل الولاياتالمتحدة في تثبيت نتائج احتلالها للعراق فضلا عن تعثرها في أفغانستان، عادت المرتفعات السورية المحتلة إلى الواجهة في ظل بيئة أمنية مختلفة في الشرق الأوسط ملائمة لسوريا. /////////////////////////////////////////// ومع هزيمة إسرائيل في حرب العام 2006 وتصاعد المقاومة في غزة وفشل الولاياتالمتحدة في تثبيت نتائج احتلالها للعراق فضلا عن تعثرها في أفغانستان عادت المرتفعات السورية المحتلة إلى الواجهة في ظل بيئة أمنية مختلفة في الشرق الأوسط. //////////////////////////////////////////// واستؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين برعاية تركية عام 2008 لتتوقف مجددا بقرار سوري احتجاجا على المغامرة الإسرائيلية الفاشلة في غزة أواخر العام نفسه وبداية العام الحالي الذي ترافق مع إدارة أمريكية جديدة واستراتيجية مختلفة مستخلصة من نتائج فشل حروب المحافظين الجدد في الشرق الأوسط.