إن الإنسان يقضي أغلب عمره محكوما وأقله حاكما والانسان لا بد أن ينحاز إلى سيادة القانون التي تحميه محكوما وتحميه أيضا حاكما على حد قول أحدى الفقهاء القانون. ولفك هذه الجدلية وحماية الحاكم والمحكوم لكي يجب الرجوع إلى الهدف الأسمى من وجود الدولة، هو ضمان مساواة كل دون مشاركة الجميع في الحياة السياسية وإذا كنا نأمل خيرا بما جاءت به التعديلات الدستورية لسنة 2008 والتي تكرست في الانتخابات التشريعية (10 ماي) الماضية لاسيما ما جاءت به المادة 31 مكرر ولهذا من واجبات الدولة الحرص على منع التعارض الذي يمكن أن يحدث بين النصوص الدستورية إبان أي تعديل يصدر عنها لأن كفالة هذه النصوص وحمايتها يشجع الأفراد على المشاركة في الانتخابات والتصويت في الاستفتاءات. لهذا نجد أن النظام الانتخابي في الجزائر يترك أثرا مهما في الشخص الذي ينتخب وفي الجماعة التي ستتولى السلطة وفي الأنظمة الانتخابية تأثير كبير، بل حاسم وكذلك في نظام الأحزاب السياسية القائم وفي عددها وأهميتها النسبية داخل المؤسسات المنتخبة (البرلمان المجالس المحلية) ويرتبط نظام الانتخابات في الجزائر بنظامها السياسي حيث إن الدستور هو الذي ينص على كلا النظامين معا وينعكس كل منهما على الآخر. ويتبين لنا أن الجزائر مرت بعدة أنظمة انتخابية بعد التحولات الديمقراطية بداية من نظام الانتخابي رقم 89/ 13.. وكذلك بعد التجربة الدستورية المعدلة لسنة 1996 الذي انبثق عنها القانون العضوي المتعلق بالانتخابات 97/ 07 والتجربة الدستورية الأخيرة لسنة 2008 والتي انبثق عنها القانون العضوي المتعلق بالانتخابات 12/ 01 ولهذا نجد كل الدولة تختار نظامها الانتخابي بما يتفق مع ظروفها السياسية والاجتماعية. مع العلم أن طرق الانتخابات تختلف حسب النظم السياسية في العالم. وتعد الجريمة الانتخابية من أخطر الجرائم وأكثرها شيوعا في الانتخابات وذلك لسهولة اللجوء إليها من قبل المترشحين من أصحاب المال سواء مباشرة أو عن طريق مندوبيهم أو أنصارهم ولصعوبة إثباتها من الناحية القانونية فالصعوبات الاقتصادية التي تواجه بعض الأشخاص وحاجتهم إلى الأموال تشجع المترشحين على اللجوء إلى مثل هذه الأساليب من أجل كسب أكثر عدد من الأصوات للفوز بالانتخابات، حيث لم يعد امتلاك الأموال والثروات سببا مهما أو أمرا حيويا للإدارة وتنظيم الحملات والدعايات الانتخابية من جهة تمويل نفقاتها ومصاريفها فحسب، بل أصبح المال سلاحا فتاكا للتأثير على إرادة الناخبين وزعزعة ثقتهم وتوجيهها نحو تأكيد مرشح معين أو حزب سياسي معين. موقف المشرّع الجزائري من الرشوة الانتخابية اهتم المشرع الجزائري بتجريم الرشوة الانتخابية على غرار القوانين الانتخابية الأخرى، باعتبارها تشكل مساسا بالشفافية السياسية، وتؤثر على إرادة الناخبين خاصة الناس البطالين والجاهلين والأميين وهم كثير الذين يكونون عرضة لها. كما أن القوانين الانتخابية بداية من القانون رقم 89/ 13 الذي يتضمن قانون الانتخابات في مادته 156 منه، يجرم وهذا كذلك ما ذهبت إليه المادة 207 من القانون العضوي رقم 97- 07 المتعلق بنظام الانتخابات الذي يجرم الرشوة الانتخابية وهذا كما جاء في نص المادة ما يلي: على كل من وعد بوظائف عمومية أو خاصة أو مزايا أخرى خاصة قصد التأثير على الناخبين أو عدة ناخبين عند قيام مهم بالتصويت وكل من حصل أو حاول الحصول على أصواتهم سواء مباشرة أو بواسطة الغير وكل من حمل أو حاول أن يحمل ناخبا أو عدة ناخبين على الامتناع عن التصويت بنفس الوسائل وتطبيق نفس العقوبات على كل من قبل أو طلب نفس الهبات أو الوصايا أو الوعود. ونجد كذلك القانون العضوي 12- 01 المتعلق بنظام الانتخابات ساند ما جاءت به القوانين الانتخابية السابقة سواء تعلق الأمر بقانون الانتخابات 89 – 13 أو القانون العضوي 97 – 07 المتعلق بالانتخابات، وهذا حسب نص المادة 224 من القانون 12 – 01 ولو أن هذه المادة قد ارتبطت بالمادة 25 من القانون 06 – 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته. في حين أن القوانين الانتخابية السابقة قيدت بالمادة 129 من قانون العقوبات رقم 01- 09 المؤرخ في 26 جوان 2001 (كل من يلجأ إلى التعدي أو التهديد أو الوعد أو العطايا أو الهبات أو الهدايا أو غيرها من المميزات أو استجاب لطلبات يكون الغرض منها الارتشاء حتى ولم يكن هو الذي طلبها وذلك إما للتوصل إلى أداء عمل أو الامتناع ذا وكالة نيابية تضاعف العقوبات المقررة). وإذا كانت المادة 128 تعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 500000 دج إلى 5000000 دج والمادة 128 مكرر1 تعاقب بالحبس المؤقت من خمس (05) سنوات إلى (20) سنة وبغرامة من 100000 دج إلى 5000.000 دج. وإذا كانت هذه المادة تترك الاجتهاد لسلطة القاضي في تقدير العقوبة والغرامة كذلك، هذا ما ذهبت إليه المادة 126 والمادة 126 تعاقب بنفس العقوبة مع اختلاف في الغرامة حيث أن المادة 126 تعاقب سنتين (2) – (10) عشر أما الغرامة فهي من 500 إلى 5000 دج. في حين أن عقوبة المادة 126 مكرر تعاقب من 5 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة من 5000 دج إلى 50000 دج أما العقوبة التي يحتكم اليها القانون العضوي 12/ 01 المتعلق بالانتخابات قد وردت في حكم المادة 224 في ما جاءت به التي تقيدت بما جاءت به المادة 25 من القانون رقم 06- 01 يتعلق بالوقاية من الفساد ومحاكمته . التي يعاقب بالحبس من سنتين (02 إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200.000 الى 10.000.000دج 1- كل من وعد موظفا عموميا بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته. 2- كل موظف عمومي طلب أو قبل، بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة، سواء لنفسه أو لصالح شخص آخر أو كيان آخر، لأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته. واذا كان القانون الانتخابي رقم 89/ 13 والقوانين العضوية المتعلقة بالانتخابات قد جرمت الرشوة الانتخابية واعتبرتها جناية على غرار جريمة الرشوة العادية الواقعة على الموظف العام، وهذا ما نص عليه المشرع الفرنسي بتجريم كافة صور التأثير المادي والمعنوي على إرادة الناخبين بغرض التصويت على جهة معينة وإذا كانت المواد 106- 108 من قانون الانتخابات الفرنسي الصادر بتاريخ 31/ 03/ 1914 تعاقب كل من يقدم هبات والتبرعات نقدية أو عينية أو يقدم وعدا بتبرعات أو قوائم أو وظائف عامة أو خاصة إلى غير ذلك من وسائل أخرى بقصد تأثير على الناخبين أو يستهدف كذلك التأثير على تصويت جماعة انتخابية أو إحداث شقاق بين أعضائها بالحبس لمدة سنتين (02) وغرامة 100000 مئة ألف فرنك، هذا فيما يخص المادتين 106 و108. أما المادة 109 من قانون الانتخابات الفرنسي فهي تقضي بما جاء به المشرع الجزائري بمضاعفة العقوبات المقررة المنصوص عليها في المواد 106 و108 من قانون الانتخابات الفرنسي إذا كان الجاني موظفا عاما. أركان جريمة الرشوة الانتخابية لدراسة هذا النوع من الجرائم لا بد من دراسة أركانها وإذا كان من المتعارف عليه تقليديا أنه لكل جريمة ركنين، الركن المادي والركن المعنوي إضافة إلى الركن الشرعي في بعض الجرائم. فإن الجريمة التي نقصدها جريمة الرشوة الانتخابية تتوفر على ركن ثالث هو الركن الصفة، لأنها جريمة مرتبطة بالمرفق العام. الركن المادي: ويتمثل هذا في العرض او الوعد من قبل المترشح وفي قبول أو الطلب أو الأخذ من قبل الناخب وهذه هي صورة النشاط المادي في هذا الركن وهذا ما نلامسه بما جاء به قانون الانتخابات رقم 89/ 13 في مادته 156 والقانون العضوي رقم 97/ 07 المتعلق بالانتخابات في مادته 207 والقانون العضوي 12/ 01 المتعلق بالانتخابات في مادته 224 وتقيد ما جاء به قانون العقوبات في مادته 129 و25 القانون 06- 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته. الركن المعنوي: ويتمثل في صورة القصد الجنائي والذي يقوم على عنصرين العلم والإرادة، حيث إن هذا القصد بالاتجاه الفاعل طلب الرشوة أو قبولها أو قبول الوعد بها. وهذا ما ثم تكريسه في القانون الانتخابي رقم 89/ 13 أو ما جاء في القوانين العضوية 97/ 07 و 12/ 01 وما تغيرت به القانون العقوبات في مادته 199 والمادة 25 من 06/ 01 يتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته مقابل ادلاء او الامتناع عن التصويت لصالح الفرد او جماعة او حزب سياسي. ركن الصفة: صفة الراشي لا يشترط في هذه الصفة أن يكون موظفا أو مؤطرا لهذه العملية الانتخابية وانما قد يكون من بين الأفراد العاديين الذين ليست لهم أي وظيفة. المرتشي هو ذلك الشخص المنصوص عليه في المادة 129 من القانون العقوبات 01/ 09 وفي القوانين العضوية المتعلقة بالانتخابات 97/ 07 12/ 01. صفة الوسيط: الوسيط في ركن الصفة هو حلقة الوصل بين الراشي والمرتشي أي بين الناخب والمترشح للانتخابات وهذا الوسيط الذي يتوسط لصاحب المصلحة مقابل إدلاء أو الامتناع عن التصويت لصالح الفرد أو الجماعة أو حزب سياسي معين. * وفي الأخير نقول إن المشرع الجزائري حرص على إيجاد نصوص قانونية بموجب القانون العضوي 12/ 01 المتعلق بالانتخابات، حيث أعطى بعض ضمانات كحرية الانتخابات للأفراد في أن يكونوا مرشحين وفي احترام رغباتهم في الاختيار وتطمئنهم على ذلك السلطة القضائية التي تبسط رقابتها على تصرفات الإدارة وترعى العملية الانتخابية وأن جميع الإجراءات المتعلقة بالانتخابات تشرف عليها وأنه من حقها إلغاء أي إجراءات أو تصرفات تكون مخالفة قانونا ولا تتفق مع الصالح العام وهذا حسب النص المادة 154 من القانون العضوي 12/ 01 المتعلق بالانتخابات والذي يعتبر فيه أن أعمال اللجنة وقراراتها الإدارية وهي قابلة للطعن أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة مما يبين عدم كفايتها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل حتى القرارات الصادرة عن اللجنة القضائية للانتخابات قابلة للطعن، حيث نقول إن المشرع الجزائري مكن ذوي المصلحة من التقدم إلى القضاء. ولهذا نقول جريمة الرشوة الانتخابية تشغل اهتمام المجتمع ككل والدارسين والسياسيين بشكل خاص وكذلك المهتمين بالشأن الانتخابي من المؤطرين والمواطنين معا ويبقى التطبيق الحازم لهذه النصوص وتفعيلها على أرض الواقع من طرف السلطة القضائية الوسيلة الكفيلة لردع كل من يحاول المساس بمصداقية الانتخابات. لخضر بوعافية أستاذ وباحث في النظم الانتخابية