مع زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجزائر، يبدو ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين على رأس الاهتمامات، وسينال حصة الأسد من جدول أعمال الزيارة، خاصة أنه الملف الوحيد الذي يعول عليه البلدان لتطوير العلاقات الثنائية، بحكم تباعد وجهات النظر في القضايا الأخرى، كأزمة مالي، أو الخلاف التقليدي حول الصحراء الغربية، أو حتى طريقة التعامل مع الربيع العربي والتغيرات السياسية في المحيط الإقليمي. و يشكل ملف الذاكرة نقطة تجاذب كبيرة، فرغم الاعتراف الأخير لهولاند بمجازر 17 أكتوبر، إلا أن النخبة الجزائرية لاتزال تطالب بالاعتذار عن حقبة الاستعمار وهو ما يرفضه الطرف الفرنسي. وبالعودة إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، نجد أنها تتميز بالتنوع والتشابك والكثافة، حيث تُعدُّ فرنسا الشريك التجاري الرابع للجزائر ولكن المورد الأول لها. كما أنها تسير منشآت حساسة في البلاد "مطار الجزائر، مترو وترامواي الجزائر، مياه الجزائر"، بالإضافة إلى نفوذها الكبير في قطاع البنوك الخاصة من خلال بنكي سوسيتي جينرال وبينبي باريبا، وقد افتتحت مؤخرا شركة التأمين الضخمة أكسا فرعا في الجزائر. وتبلغ الاستثمارات الفرنسية في الجزائر حسب الإحصاءات الأخيرة حوالي ملياري أورو، يضاف إلى ذلك 4 مليار أورو من المشاريع المعبر عنها من قبل الطرف الفرنسي على المدى المتوسط. نصفها في قطاع الطاقة. وفضلا عن "ملف رونو"، تتفاوض الشركات الفرنسية حول عدة مشاريع استثمار أخرى، لا سيما "لافارج" و«توتال"، بالإضافة إلى العديد من مشاريع استثمار تخصّ مؤسسات صغيرة ومتوسطة. وتشير البعثة الاقتصادية لدى سفارة فرنسابالجزائر، إلى أن "الاستثمارات الفرنسية بالجزائر، تتركز حول القطاعات المالية والصناعات الغذائية والصيدلة. القطاع المالي، الصناعات الغذائية". و تشارك المؤسسات الفرنسية في الإنتاج الصناعي الجزائري. كما تخلق حوالي 35000 منصب شغل مباشر و100 ألف منصب شغل غير مباشر. لكن رغم كل هذه الأرقام تحاول فرنسا أن تستثمر زيارة هولاند للفوز بصفقات جديدة، ولإقناع الجزائر التي تتوفر على احتياطات نقدية كبيرة بالدخول في رأس مال الشركات الفرنسية المتعثرة، كشركة بيجو ستروان. كما تعمل على تفضيل الشركات الفرنسية في مجالات التسير والتكوين خاصة أن المخطط الخماسي الجزائري والذي يتجاوز غلافه 250 مليار دولار يذهب في معظمه لتطوير الموارد البشرية بمختلف الأشكال. ومن خلال هذه الرؤية، تتمنى إدارة هولاند أن تشكل الجزائر ودول أخرى طوق النجاة للاقتصاد الفرنسي المترهل والمتراجع، خاصة مع أزمة الديون في منطقة اليورو، لكن أمام هذا الهدف الفرنسي عقبات كثيرة أهمهما تطوير العلاقات السياسية وحل مشكل الذاكرة. كما تعاني فرنسا من المنافسة الصينية في السوق الجزائرية، حيث إن الجزائر هي أهم الشركاء لفرنسا في البحر المتوسط، ولكن العلاقة بين الجزائر ومستعمرتها السابقة فرنسا تمر بفترات توتر بشكل منتظم، وهو ما سمح للصين في السنوات الماضية، بالتمدد في السوق الجزائرية لتصبح الشريك الهام للجزائر. ومن جهة الحكومة الجزائرية فهي تعمل من خلال زيارة هولاند على وضع تصور جديد للعلاقات الاقتصادية مع فرنسا، مبني على تجاوز مرحلة السوق الاستهلاكية، والانتقال إلى مرحلة تحويل التكنولوجيا والمعرفة الفرنسية إلى المؤسسات الوطنية التي تعاني كثيرا في مجال التنافسية والمردودية والجودة. كما تعمل الجزائر على الاستفادة من الخبرة الفرنسية في تسيير المؤسسات الحيوية، كالمطارات والموانئ ووسائل النقل العمومية، بالإضافة إلى الري والمياه والطاقة النظيفة والبناء. كما ستحاول الجزائر إقناع الجانب الفرنسي بتحويل جزء من استثماراته إلى مجالات جديدة تضيف قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتمكنه من التحول إلى التصدير، ويبقى هذا مرهون بمدى استعداد رأس المال الفرنسي لتحمل المخاطر في السوق الجزائرية. أنس. ج الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الرحمن تومي ل”البلاد" الاستثمارات الفرنسية في الجزائر لاتزال دون المستوى وزيارة هولاند قد تكتفي بالترقيع ^ من المستفيد من زيارة هولاند إلى الجزائر اقتصاديا وتجاريا؟ نحن بداية نتفاءل بزيارة هولاند وننتظر بعث شراكة حقيقية من التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لكن نؤكد أن الزيارة لا تعدو أن تكون مجرد تجميل وترقيع لبعض المشاريع الاستثمارية المشتركة. كما نؤكد على أن المورد رقم 1 هو فرنسا، والزبون رقم 4 بالنسبة للجزائر. كما نعلم بأن فرنسا متخوفة كثيرا من زحف الاقتصاد الآسيوي لتبوء مكانة في النسيج الصناعي والفلاحي والسكني والتعليمي، بالإضافة إلى الخدمات الأخرى لدى الجزائر. من هذا المنطلق يمكن أن تشهد الزيارة إبرام بعض الاتفاقيات الثنائية للشراكة الاقتصادية. مع العلم أنه تم إبرام اتفاقيات سنة 2006 وأخرى سنة 2009 لتحسين العلاقات بين الجزائروفرنسا، غير أن استثمارات فرنسا في المغرب وتونس ومصر بالخصوص أفضل بكثير عما هي عليه في الجزائر. لذلك نتساءل هل الإشكالية تعود إلى قانون المالية التكميلي لسنة 2009، أم أن لها بعد سياسي يتمثل في بعض الملفات العالقة بين الجزائروفرنسا. ونحن نستغرب لماذا لا تزال فرنسا متمسكة بكون الجزائر مصنفة في الخانة الحمراء أمنيا، وبالتالي خسارة آلاف السياح في الجنوب الجزائري، مثلما كانت عليه في التسعينات. ^ كيف تتصورون الندية المعبر عنها جزائريا في مجال العلاقات التجارية والاقتصادية؟ أعتقد أن "الندية" تكمن في برمجة مشاريع تنموية مشتركة، لا يهم مصدر التمويل بقدر ما يهم تبادل المصالح المشتركة، بالرغم من أن فرنسا تدّعي أنها الأولى في استثماراتها خارج قطاع المحروقات، إلا أن الواقع يكذب هذه النظرية. الندية في التعاملات التجارية بالخصوص هي تسهيلات تقدمها فرنسا في هذه الزيارة لمنتجاتنا خارج قطاع المحروقات حتى تباع في الأسواق الفرنسية، وأخص بالذكر "دڤلة نور" التي تباع في فرنسا تحت علامة "تونسية"، بالإضافة إلى ذلك نحن في حاجة إلى تكوين مستمر لليد العاملة خاصة في قطاعي البناء والسياحة، وبعض القطاعات الأخرى. ^ هل المشاريع الفرنسية ستزيد من تعميق التعاون الاقتصادي؟ أعتقد أن هذه الزيارة سوف تدفع لتحقيق على أرض الواقع على الأقل، 12 مشروعا على رأسها مشروع "رونو" ومشروع "لافارج"، لكن أتمنى أن تذلل بعض العقبات، خاصة منها الشراكة في قطاع الدواء، وقطاع الحليب ومشتقاته، بالإضافة إلى التأشيرة للمواطنين الجزائريين الراغبين في الدراسة أو السياحة أو الاستثمار. ^ ألا ترون أن الجزائر تنظر للزيارة بأنها مصدر منعش للاقتصاد، فيما فرنسا ترى أنها طوق نجاة؟ أعتقد أن الاستثمارات الفرنسية في الجزائر لا تزال دون المستوى المطلوب، خاصة ونحن نسجل 50 سنة بعد الاستقلال، بالرغم من الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية التي نتقاسمها، ويبرز هذا عندما نقوم بمقارنة بسيطة بين الاستثمارات الفرنسية والاستثمارات الأجنبية الأخرى أو المقارنة بين الشراكة الفرنسية المغربية، التونسية والمصرية مع الشراكة الفرنسية الجزائرية. ^ ألا ترون أن الاستثمار الفرنسي في الجزائر سيكون لصالح الفرنسيين؟ زيارة هولاند إلى الجزائر ستجيب بشكل جزئي على بعض الانشغالات للطرفين، أخص بالذكر فرنسا التي تحاول جاهدة الاستفادة من المشاريع التنموية، خاصة وأن احتياطات الصرف في الجزائر تقدر ب286 مليار دولار. علما أن فرنسا تعاني من ركود اقتصادي ونسبة بطالة مستمرة في الارتفاع. بينما ترى الجزائر أنها فرصة تاريخية لليسار الفرنسي حتى يتجاوب مع بعض المطالب الملحة للجزائريين وعلى رأسها الاعتراف بجرائم الاستعمار والتعويض، طي ملف الرهبان السبعة، وكذلك ملف عقار الأقدام السوداء. حاورته: فريدة. سالمؤرخ بنجامين ستورا يعلق عشية زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر: هولاند قد يعتمد خطابا يكشف الطبيعة القمعية للنظام الاستعماري قال المؤرخ الفرنسي المختص في الثورة الجزائرية بنجامين ستورا، إنه يترقب "التحركات المقبلة" للرئيس هولاند الذي يمكن أن يعتمد خطابا يكشف الطبيعة "القمعية" للنظام الاستعماري. وأشار المؤرخ في تصريحات لوكالة الأنباء الجزائرية إلى أنه يترقب "التحركات المقبلة" للرئيس هولاند، خصوصا من خلال خطابات تتطرق إلى "الطبيعة القمعية" للنظام الاستعماري أو "لقاءات بين فاعلين في حرب التحرير الوطني أو فرنسيين شاركوا في المعركة من أجل الاستقلال". وقال أيضا "يبقى قول وفعل الكثير حول الفترة الاستعمارية ولكن هذا العمل قد شرع فيه منذ عدة سنوات من قبل مؤرخي الضفتين خاصة الأجيال الجديدة من الباحثين الذين يكشفون حقائق حول هذا التاريخ" مشيرا إلى أن الرئيسين الفرنسي والجزائري عليهما أخذ كل هذه الأعمال بعين الاعتبار. وفي 17 أكتوبر الماضي أكد الرئيس فرانسوا هولاند أن الجمهورية الفرنسية تعترف "بوعي" ب«القمع الدموي" الذي راح ضحيته جزائريون يوم 17 أكتوبر 1961 بباريس وهي التفاتة رحبت بها الجزائر.