غاب ملف الفساد المالي في التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي حول الظرف الاجتماعي الجزائري خلال سنة 2009 والذي تضمن أرقاما حديثة نسبيا مقارنة بتقاريره السابقة، وماعدا حديث رئيس المجلس محمد الصغير بابس عن صرف أموال في غير محلها، لم يجرؤ المجلس في تقريره على العودة لسلسلة الفضائح التي هزت قطاعات اقتصادية في بلادنا. قال بابس منتقدا بطريقة محتشمة طريقة صرف الأموال العمومية ''ليس كل القطاعات تعمل بتوجيهات رئيس الجمهورية'' وأن ''المداخيل المتأتية من الصادرات النفطية لم تستعمل حيث يجب''. وأشار بابس إلى النقاش الدائر بخصوص توظيف احتياطي الصرف في الجزائر المودعة في صندوق سيادي بالخارج وكذا شراء أصول شركات أجنبية (مثلما عملت به في دول خليجية). وشدد المتحدث على الحاجة الماسة في الجزائر للانتقال إلى منظومة سياسة اقتصادية جديدة، وهي التي أسماها بالاقتصاد القائم على العرض وبناء نظام اقتصادي إنتاجي، خصوصا في قطاع الخدمات والصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإنشاء مناصب عمل دائمة، بعيدا عن اقتصاد الريع والاستمرار في سياسة تمويل الاقتصاد، مشددا على ضرورة عودة الدولة إلى وظيفتها كإطار منظم للحياة الاقتصادية وليس كمستثمر في إشارة إلى تولى الدولة من جديد دفة قيادة مشاريع الاستثمار في بلادنا، معلنا بهذا الخصوص تنصيب فوج تفكير وعمل خاص مكلف بدراسة آليات جعل النظام البنكي والمالي أكثر نجاعة. وحددت مهمة فريق التفكير الذي دعا خبراء من المجلس وخارجه للمساهمة فيه في بحث ''تكييف الوسط البنكي والمالي مع الوسط الاقتصادي الحقيقي''، حسبما أكده السيد باباس على هامش أشغال المجلس المخصصة لعرض التقريرين الظرفين. كما أردف نفس المسؤول يقول ''إنها العوامل التي تعمل على تماسك المؤسسة وعلى استحداث مناصب شغل دائمة وتحقيق تنمية مستديمة''. وتضاف الهيئة الجديدة إلى مجموعات العمل التي شكلها المجلس، أحدها فريق التفكير الخاص بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وأشار المجلس في تقريريه الخاصين بالظرف الاقتصادي والاجتماعي لعامي 2008 و2009 إلى مجمل التحولات في الجزائر، والمؤشرات العامة للاقتصاد وأغلبها صادرة عن إحصائيات حكومية. وأكد متدخلون في النقاش الذي غابت عنه المركزية النقابية على ضرورة مراجعة منهجية إعداد التقرير وكذا التدقيق في الأرقام التي تضمنها التقرير. وتجاهل المشاركون في النقاش الذي طغى عليه رئيس المجلس بكثرة تدخلاته وملاحظاته، مركزين أساسا على تناقضات الأرقام وغياب قراءات لها وهو ما يسيء لصورة الجزائر في الخارج وتم تحميل ديوان الإحصائيات مسؤولية المفارقات الرقمية التي تضمنها وكذا الاعتماد الحصري على الأرقام التي تقدمها القطاعات الحكومية دون تمحيص. وانتقد باحث من مركز الدراسات في الاقتصاد التطبيقي للتنمية''الكرياد'' بشدة معلومة وردت في التقرير، نقلا عن ديوان الإحصاء بخصوص الإحصاء العام الأخير للسكان ونسبة معدل النساء الناشطات، حيث أشار الديوان إلى أن معدل إنشاء النشاطات هو 17 بالمائة في 2008 وهو نفس رقم ,1998 رغم التطور المسجل في إدماج المرأة في عالم العمل وهيمنة العنصر النسوي على قطاعات التعليم والصحة، ضف إلى ذلك أن المنظمات الدولية تعتمد أرقام تتراوح بين 29 إلى 39 بالمئة. وأشار خبير آخر إلى افتقاد الأرقام المعتمدة في التقرير للمنطق، متحدثا عن عدم تناسقها وانسجامها واستدل برقم عدد مناصب الشغل التي تم إنشاؤها، أي حوالي 800000 ألف منصب شغل وفق التقديرات الرسمية. وتساءل ما هو الانعكاس الحقيقي لذلك على القطاعات الأخرى ومنها الإنتاج وكذا مواد البناء والصناعة التحويلية والاستهلاك والضمان الاجتماعي. وفي هذا السياق، اعترف المدير العام للديوان الوطني للإحصائيات السيد خالد براح ضرورة تعزيز النظام الوطني للإحصائيات وثقافة الإحصائيات بالجزائر، معتبرا أن الجهود التي يتم بذلها في هذا الإطار تبقى ''غير كافية''. وأضاف أنه يجري حاليا التحضير للبرامج الوطنية للأشغال الإحصائية والتفكير في التحضير لإستراتيجية وطنية للإحصاء. وأشار الأستاذ سليمان بدراني الخبير بمركز كرياد إلى هشاشة النظام الإحصائي الوطني، مشيرا إلى نقطة منهجية في التقرير الخاص بالظرف الاقتصادي والاجتماعي وهي غياب التقديرات الخاصة بالإنتاج الصناعي لدى القطاع الخاص، وخلص إلى أنه على أي بلد يطمح لأن يسير بطريقة جيدة، اعتماد أرقام حقيقية. أما الأستاذ قادة علاب الذي وصفه محمد الصغير بابس بأنه من أبرز الكفاءات الوطنية في الرياضيات، فأشار إلى تخلف النظام الوطني للإحصائيات، وأرجع ذلك إلى عيوب في النظام الوطني للإحصائيات وكذا المتعاملين الاقتصاديين الذين لا يصرحون بالأرقام الحقيقية. وحذر الخبير من مخاطر استمرار إغلاق الأقسام الخاصة بالرياضيات في الثانويات الجزائرية وتوجه المتخصصين إلى الهجرة أو التقاعد. وقوبلت انتقادات الخبراء لمنهجية عمل المجلس بحفيظة معدي التقرير. وأشار الأستاذ جودي بوراس، رئيس وحدة التحاليل الاقتصادية بالمجلس، إلى حقيقة عدم اعتماد أصحاب القرار في الجزائر على الأرقام فيرسم السياسات العمومية مفجرا قنبلة في النقاش، قبل أن يستدرك بدعوة المنتقدين لعدم إطلاق النار على سيارات الإسعاف، في إشارة إلى أن المشكل ليس في الهيئة، بل في الهيئات التي توفر الإحصائيات.. وفي هذا الصدد، أعلن رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن تنظيم ورشة في الأسابيع المقبلة، بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي لاعتماد أنظمة الإحصائيات الخاصة بالمنظمة الدولية في التقارير المستقبلية للهيئة. وفي هذا الصدد ذكّر مامادو مباي، المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، بأن الهيئة الأممية مستعدة للتعاون مع الجانب الجزائري في هذا المجال، مشيدا مع ذلك بنوعية الوثائق التي يقدمها، مؤكدا أن ''تقارير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي تعتبر وثائق تقييمية هامة بالنسبة لنظام الأممالمتحدة''.