أصبحت ظاهرة تهريب الرمال من شاطئي ''تاسوست ''و''بازول''شرق جيجل تنذر فعلا بالخطر، بعد أن أتى النهب منذ قرابة عقد ونصف على عشرات الهكتارات من الرمال وهو ما يهدد بأزمة بيئية كارثية بفعل تقدم مياه البحر نحو اليابسة من جهة، وتقلص المساحات الفلاحية الساحلية من جهة أخرى. ولرصد هذه الظاهرة انتقلت ''البلاد''إلى منطقة ''بازول''بالقرب من ميناء ''جن جن''ولم يكن صعبا أن تجد الخيط الذي يوصلك إلى المهربين، وقد قال لنا رجل في العقد الخامس من عمره، وهو يشير إلى حفرة كبيرة ''لا تظنوا بأن هذه الحفرة بفعل آلة ميكانيكية خلال بضعة أشهر، إنها بيد أربع (بالات) في ظرف سنة ..''وانظم إلى الرجل شاب آخر، كانا يبرران هذا النهب الذي عرفته عدة شواطئ بالولاية منذ عدة سنوات بدعوى البطالة المنتشرة بهذه المناطق واعترف (ع) بأن عدد الأشخاص الذين يمارسون هذا النشاط يقارب 300 شخص، منهم حوالي مئة شخص بشاطئ ''بازول'' لوحده، مضيفا بأن ''الخبزة فرضت علينا هذا فنحن لسنا إلا باحثين عن لقمة العيش التي لا تزيد عن ثلاثمئة أو أربعمئة دينار كل ليلة هذا في أحسن الأحوال ....'' غير أنه أشار إلى أن المستفيد الأول من التهريب هم بارونات كبار لا يبحثون عن الخبز، بل على الملايير التي حولتهم في السنوات الأخيرة إلى رجال أعمال كبار وهم الذين يجب أن يحاسبوا، أما نحن (الجرناطية) ''فالأجدر أن يمنحونا وساما لأننا لم ننهب إلا من أجل أن يأكل أبناؤنا الخبز والحليب ...'' تركنا (ع ) لحاله يتأمل في عشرات الحفر الممتدة على طول شاطئ (بازول) وإلى غاية مدخل بلدية القنار، حيث كانت تبدو تلك الحفر أنها بفعل آليات ضخمة خلال مدة زمنية لا تقل عن سنة واحدة، بينما راحت آلة تصوير مرافقي هي الأخرى تتأمل تلك الحفر التي صنعتها يد الإنسان . بعد يومين إثنين وبفعل الرغبة الجامحة التي سكنتنا لكشف المزيد عن ظاهرة تهريب الرمال، انتقلنا ليلا إلى منطقة ''تاسوست'' التابعة لبلدية الأمير عبد القادر وبالقرب من جامعة محمد الصديق بن يحي، ركنا في زاوية مظلمة داخل السيارة وكان مرافقي قلقا من هذه المغامرة، خاصة وأن المكان خلال هذه الفترة من الزمن مكلل بكل المخاطر التي نعرف بعضها ولا نعرف بعضها الآخر، ولذا تركنا باب القدر مفتوحا وتوكلنا على الله كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا حين لمحنا أول شاحنة تتسلل تحت أجنحة الظلام وعلى متنها عدد من الأشخاص في اتجاه الشاطئ ''إنها البداية..'' قال مرافقي، وبعدها بدأت المحركات تحدث صخبا كبيرا صادرا عن ''الدمبيرات'' كما يسميها أصحابها وفي هذه المنطقة وفي ظرف ساعتين استطعنا ان نحصي أكثر من عشرة منها إضافة إلى أربع شاحنات، الغريب أن حديث المهربين على ظهر المركبات كنا نسمعه من مكان بعيد، بما فيها الكلمات ''الشاذة'' الصادرة عن بعض المراهقين، وكأن ما يقومون به ليست سرقة لولا هذا الظلام الذي يؤكد التهمة مع سبق الإصرار والترصد عندما تركنا المكان كانت عقارب الساعة قد تخطت منتصف الليل بقليل وفي الذاكرة بقيت الأسئلة المشحونة بالغرابة، بلا جواب. لقد كانت ظاهرة تهريب الرمال من شواطئ جيجل قديمة إلا أنها أخذت ''مشروعيتها'' في بداية التسعينيات، بعد أن استفاد بعض المستثمرين المزيفين آنذاك من مشاريع استثمارية سياحية، إلا أن هؤلاء سيجوا الأمكنة وعوض أن يبدأوا مشاريعهم التي قيل عنها آنذاك إنها سياحية، اشتغلوا في تهريب الرمال انطلاقا من هذه المواقع ومنه تعلم الآخرون كيف ''يحلبوا من ضرع البقرة'' لتبدأ الحكاية التي لم تنته بعد رغم أن السلطات المحلية منذ عدة سنوات قد سحبت ملفات المستثمرين المزيفين، ولكن من تربى على مص الحليب سيبقى وفيا ''لغبرته''. ويروي العديد ممن التقيناهم بالصدفة في منطقة''تاسوست''و''القنار'' أنه كثيرا ما تحدث مناوشات بين المهربين فيصبح الحي الذي تدور فيه رحى ''الحرب'' مسرحا حقيقيا لتصوير فيلم هوليودي تحت عنوان ''الخبز والكافيار......''