انطلقت أمس فعاليات المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني·· وستختم غدا فعاليات المؤتمر·· تحدث الأمين العام عن الثورة وعن الشباب وعن المستقبل وعن التنمية، وستتم تزكية بلخادم أمينا عاما للحزب لعهدة أخرى·· وستهتز القاعة على وقع التصفيقات·· وسيصرح بلخادم أنه يتعهد بخدمة الحزب وخدمة رسالته ورسالة أول نوفمبر·· وسيدعو إلى تشبيب الحزب في ختام كلمته، وسيؤكد على دور المرأة وترقيتها وترقية الديمقراطية، وستصفق القاعة مرة أخرى لأمينها العام وسيغادر الجمع قاعة المؤتمر كل إلى وجهته· في هذه الأثناء ستظل ملفات الفساد السياسي والمالي قائمة بلا حلول ولا استرتيجية لمحاربتها، مادام أكبر حزب في البلاد يتجنب الخوض فيها بشكل شفاف· إذ أننا لم نر باحثا ولا مفكرا واحدا يتقدم الصفوف الأولى، أو يرأس اللجان أو تسند له مهمة الفصل في قضايا مصيرية مرتبطة بسياسة الحزب الذي يحوز غالبية المجالس المنتخبة· كل ما شاهدناه شباب مشرئب الأعناق لمشاهدة فلان وعلان، يتسابق للحصول على مقعد أو قارورة مياه معدنية، ونسوة تم استقدامهن لتزيين واجهة المؤتمر التاسع وإطلاق العنان لحناجرهن من أجل زغاريد جميلة تنسي بلخادم عناء الأيام التي سبقت التحضير للمؤتمر· ولأن المناسبة هي المؤتمر التاسع لأكبر حزب في تاريخ البلاد· ولأن الذكرى هي عيد النصر المجيد، فان الناس تطلعوا إلى موقف في مستوى المناسبتين اتجاه فرنسا واستفزازاتها· فأين ورقة تجريم الاستعمار؟ ولصالح أي توازنات تم حرقها أو التضحية بأصحابها رغم أن بعض الذين حركوها هم من أبناء الشهداء شعروا بمرارة وحرقة كبيرتين وهم يستمعون إلى توجيهات قياديين في الحزب بضرورة مراعاة توازنات يفرضها المحيط السياسي· ورغم أن الظرف مناسب لإطلاق أهم مبادرة لتجريم الاستعمار الفرنسي وفترته السوداء في الجزائر، فإن حسابات الحقل اختلفت عن حسابات البيدر وأن الحسابات السياسية في الأفلان كانت أقوى وأكبر من مشاعر الوفاء للشهداء··· ذلك الوفاء الذي صنعه الأبناء عندما كان الحزب قويا شامخا أو عندما كان في الحزب أقوياء يمتدون إلى الأعلى مثل الشموخ، فقد وقف الجميع عشية الانفتاح السياسي في الجزائر ضد زيارة الأقدام السوداء إلى وهران، وألغيت الزيارة التي قررتها جمعية فرنسية وقتها وانتصر أبناء الشهداء ومن ورائهم حزب جبهة التحرير الوطني لمبدأ تاريخي، وبعد عشر سنوات من تلك الواقعة شاهدنا كيف استقبل رئيس بلدية من حزب جبهة التحرير الوطني وفدا من حجاج اليهود والأقدام السوداء بالورود، وسط دهشة واستغراب كل من شاهد الموقف· لقد انتهت التصفيقات داخل قاعة المؤتمر، لكنها لم تنه صراعات القوى المحلية داخل الحزب وخارجه وهي صراعات قائمة لأن هنالك من يريد أن تظل المناوشات حول الحزب دائمة، وستظل مشاكل البلاد ضاغطة على المواطن في حياته الاجتماعية، وسيزداد ارتفاع المواد الاستهلاكية، وستتعقد المشاكل الاجتماعية من يوم لآخر، لأن لا مؤتمر الأفلان ولا أمانة بلخادم ستحل مشاكل البلاد والعباد· سيظل المواطن مضطرا في كل مرة للخروج إلى الشارع للمطالبة بحقه في السكن أو الماء الشروب وتعبيد الطرقات، ستتجدد مشاكل الصحة والتربية والتعليم والوظيف العمومي مادامت الطبقة السياسية تتعامل معنا بمشاعر مناسباتية وبكثير من الديماغوجية، وستظل أحزابنا السياسية منهمكة في صناعة نصر وهمي لن يرقى أبدا أبدا إلى مستوى النصر الذي حققه الآباء كهذا النصر الذي نفتخر به في عيد النصر· ختاما أريد القول إن كل شيء يتغير من حولنا بسرعة فائقة، وفي عالم المتغيرات السريعة الجميع مطالب بالتكيف مع إفرازات الحركية المفروضة علينا لأننا لا نمثل إلا حلقة ضعيفة لا تكاد تذكر في عالم يصنعه الأقوياء· إنها القاعدة الثابتة التي تعبر عما يدور من حولنا سواء أحببنا أو كرهنا· لقد أدت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالغرب إلى فرض معطيات سياسية واقتصادية برغم ذلك نجح الاتحاد الأروبي والولايات المتحدةالأمريكية في تجنب كارثة كبرى كانت ستوقعه في دوامة من العجز الدائم، ومرجع ذلك أن الغرب يؤمن حقا بإخضاع الخطط إلى تقييم واستشراف المختصين والخبراء ومراكز البحث وليس إلى الدوائر السياسية والمجموعات الحزبية والتكتلات المصلحية ولا إلى التصفيقات الحارة وزغاريد النساء، لأن مشاكل الأمم تحل بواسطة الخطط الجادة وليس بالمهرجانات والمؤتمرات الفلكلورية· لقد قال مارتن لوثر ذات يوم ''لايستطيع أحد ركوب ظهرك ·· إلا إذ كنت منحنيا''