باشرت المصالح الأمنية عبر كامل ولايات الجمهورية، سلسلة تحريات مكثفة لرصد تحركات مشبوهة لما يسمى "تيار السلفية" بعدما لاحظت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تناميا ملحوظا للتطرف الديني، وتتخوف السلطات من "خطر" الجماعات التي تروج أفكارا معادية للمرجعية الدينية المعتمدة في الجزائر. وذكر مصدر أمني مأذون ل«البلاد" أن المديرية العامة للأمن الوطني تلقت بحر الأسبوع الجاري تعليمة عاجلة مذيلة بتوقيع وزير الداخلية والجماعات المحلية الطيب بلعيز، تطلب فتح تحقيقات أمنية موسعة في ملابسات تحركات مشبوهة لشبان و«مشايخ" محسوبين على تيار "السلفية". وعلى إثر ذلك، أبرق المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل بإرسالية إلى فرق الاستعلامات العامة بمديريات الأمن الوطني في كامل الولايات، تأمرهم بالتحري والتحقيق فيما ذكرته تعليمة الوزير بلعيز بشأن "اختراق تيارات فكرية متطرفة للمؤسسة المسجدية في البلاد". وأوضحت التعليمة الوزارية أن "السلطات وبناء على معطيات توفرت لديها من مصادر متعددة، قد لاحظت استخفاف تيارات فكرية متعصبة بالمرجعية الدينية الجزائرية ممثلة في المذهب المالكي المعتمد في الخطاب المسجدي وكذا المذهب الإباضي المتبع في بعض مناطق الجمهورية". ودعت تعليمة بلعيز إلى "تعزيز الرقابة عبر كل المساجد" محذرة من مغبة التساهل مع من يستغل بيوت الله في غير "أداء الصلوات وتعليم القرآن الكريم"، وما عدا ذلك ترى وزارة الداخلية والجماعات المحلية أن من يتواجد بالمسجد ويحضر بعض الحلقات التي ينشطها "مشايخ" وشباب متدين ينتمون إلى ما يعرف بالسلفية العلمية، في غير أوقات الصلوات الخمس، هم أشخاص يقعون في المحظور ويخالفون تعليمات الجهات الوصية. وواضح أن السلطات لاحظت "انحراف" بعض الحلقات الدينية المنظمة في المؤسسات المسجدية، إلى درجة صارت فيها "كثير من القضايا الدينية والدنيوية تناقش بما يخالف المذهب المالكي المعتمد في الجزائر أو المذهب الإباضي باعتباره توجها سنيا لا يتعارض مع المرجعية الدينية للبلاد"، وهو ما يمهد لزرع أفكار سامة في المجتمع الجزائري بشكل يؤدي إلى التشبع بالفكر المتطرف الذي يتسبب في ارتكاب أعمال عنف تتخوف منها السلطات التي لا تستبعد أيضا التحاق بعض الشباب بخلايا تعمل على تجنيد انتحاريين واستغلالهم في النشاط الإرهابي الذي يتعرض في الشهور الأخيرة إلى محاصرة من قبل مصالح الأمن الوطني والوحدات المكلفة بمكافحة الإرهاب. وشدد الطيب بلعيز الذي تولي مصالحه عناية خاصة بهذا الملف، على أن "تقديم الدروس في المسجد لابد أن يخضع إلى طلب يؤشر عليه مدير القطاع بالموافقة". ومعلوم أن مساجد الجمهورية كانت تخضع في وقت سابق إلى رقابة أمنية خاصة في عز سنين الجمر والمأساة الوطنية التي اكتوت بها الجزائر، قبل أن يسمح فيما بعد لما يسمى بالسلفيين بحرية النشاط، لاسيما من خلال اللجان الدينية التي كانت العضوية فيها محظورة على هؤلاء. وحسب ملاحظات قدمتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، فإن أئمة بعض المساجد سجلوا انتشارا مخيفا لفتاوى التحريم الصادرة من بعض "الملتحين الذين يدعون اتباعهم للمنهج السلفي"، علاوة عن "رفض عديد الشبان مغادرة بيوت الله أثناء انتهاء أوقات الصلاة وتعمدهم تنظيم حلقات دينية تستقطب عناصر جديدة صارت تتبنى أفكارا هدامة وغريبة عن المجتمع الجزائري". واستنادا إلى المعطيات التي تتوفر عليها "البلاد"، فإن فتاوى التحريم امتدت حتى إلى قضية جمع الصدقات والزكاوات وهو المشروع الضخم الذي تعول عليه وزارة غلام الله منذ سنوات وتراهن عليه كثيرا لحل مشكلات اجتماعية ودعم الاقتصاد الوطني، حيث لا يتوانى مسؤولو القطاع كل مناسبة في التأكيد على تزايد عائدات المشروع والترويج له.