صنف تقرير جديد لوزارة الخارجية الفرنسية، حول واقع لغة موليير في العالم، الجزائر من بين الدول التي تعد فيها اللغة الفرنسية لغة التعليم المفضلة لدى المواطنين، وكشف التقرير أن الجزائر تعتبر الثانية في المغرب العربي بعد تونس من حيث من حيث عدد الفرونكوفونيين فيها بنسبة لا تقل عن 57 بالمائة·ويكشف قانون المالية الفرنسي لسنة 2010-حسب ما هو منشور في موقع مجلس الشيوخ الفرنسي- أن باريس خصصت ما يقارب المليار أورو لدعم الفرنكوفونية بالمغرب العربي، فيما خصت الجزائر في هذه الفقرة من قانون المالية ببعض الدعم في إطار الرعاية الخاصة التي تحظى بها الفرنسية لدى النخبة المسيطرة على دواليب الإدارة في البلاد تحت عنوان ''الدعم الضامني التفضيلي''، على غرار إنشاء مدرسة لتخريج الدكاترة في اللغة الفرنسية، إضافة إلى الإسهام في ترقية لغة موليير من خلال دعم برنامج التعليم المتواصل وكذا دعم المدرسة العليا للأساتذة دون تحديد طبيعة هذا الدعم·ويأتي الاهتمام الفرنسي المتزايد بالحيز المغاربي كامتداد قوي لنفوذ وهيمنة الفرونكوفونية تأكيدا على حرص باريس على مكانة لغتها في العالم التي شهدت انتكاسات كبيرة خلال السنوات الأخيرة على صعيد الانتشار، فاسحة المجال أمام لغات صاعدة على غرار الإسبانية والألمانية وحتى العربية التي أضحت لغة اقتصاد بسبب الطفرة المالية والإنمائية التي تشهدها دول الخليج العربي· ويفسر هذا الحرص الفرنسي حجم التخوف من تقهقر الفرنسية الذي صار يشكل هاجسا كبيرا لدى صناع القرار في الإيليزيه، خصوصا وأن اللغة التي قال عنها ديغول في إحدى المرات إنها أضحت الوجه الجديد للنفوذ الفرنسي في العالم، صارت مهددة حتى في عقر دارها باعتبار أن إحصائيات حديثة كشفت أن الإنجليزية صارت لغة التعليم الأولى لدى الطبقة الجامعية من المجتمع الفرنسي، الأمر الذي تنبهت إليه إدارة ساركوزي وشرعت في تداركه بوضع إستراتيجيات ''توسع لغوي'' رصدت لها أموالا·ويكشف التقرير المذكور حجم تغلغل اللغة الفرنسية في الجزائر والتي أضحت تمثل لغة الخبز والشغل لدى عموم الجزائريين، بل أضحت تشكل دافعا للرقي الاجتماعي عند حيازتها، وإما سببا في التهميش الاجتماعي عند افتقارها، وهو ما يفسر تهافت الكثير من الأسر على المدارس الخاصة لتعليم أبنائها بلغة المستعمر القديم، تفضيلا لهذه المدارس وما تقدمه من برامج وتحصيل علمي مقارنة بنظيراتها في المدارس العمومية لأسباب كثيرة منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي· والفرنسيون على خلاف أبناء لغة الضاد سواء في الجزائر أو العالم العربي بقدر ما يدركون أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل ونقل للمعلومات بل هي ناقل حضاري بامتياز، فإنهم يعملون على ممارسة هذا الجانب في التعاطي اللغوي بقدر ما يتنكر أبناء لغة الضاد لهذا الواقع اللغوي عند البشرية جمعاء، ومن هذا المنطلق كان الاهتمام المادي والإنفاق الفرنسي على اللغة استثمارا في مجال من المجالات الواعدة بالنظر للفوائد الاقتصادية والثقافية والحضارية التي يمكن أن تجنيها فرنسا بالإبقاء على هيمنة لغتها على شتى مناحي الحياة بمستعمراتها السابقة· ومع ما يحمله التقرير المذكور من حقائق يعكسها التردي المستمر في واقع اللغة العربية بالرغم من بعض الجهود الرسمية المبذولة على استحياء للزج بها في المعترك الإداري على غرار ما وقع مع الوثائق القضائية، إلا أن تقرير الخارجية الفرنسية أهمل حقيقة ومعطى غاية في الأهمية وهو أن التوجه الكبير نحو الدراسة بالفرنسية فرضه واقع هيمنة هذه اللغة على كل دواليب الإدارة في البلاد، كما أن هذا الإقبال لا يعكس حقيقة أخرى مفادها أن المجتمع الجزائري يتجه بخطوات كبيرة نحو التعريب الشامل وهو ما تدلل عليه النتائج الهزيلة التي كثيرا ما يجنيها التلاميذ في اللغة الفرنسية تحديدا مقارنة بنظيرتها الإنجليزية التي يزداد الطلب عليها بشكل تدريجي باعتبارها لغة العلم الأولى عالميا، وأضحت تشكل ضرة حقيقية للفرنسية حتى في الأماكن التي كانت معقلا لها إلى وقت قريب فقط·