نجاح الوساطة الجزائرية في مالي فتح شهية الآخرين توزعت جهود الدبلوماسية الجزائرية، على طول الأزمات والتحديات التي تعيشها دول الجوار، وكذا في الفضاء العربي الممتد من شمال إفريقيا إلى دول المشرق العربي إلى غاية العراق الذي يشهد تطورات أمنية غير مسبوقة قد تؤدي إلى حرب أهلية مدمرة، مروار بالأزمة في مالي التي بدأت تظهر بوادر أرضية سياسية تقود لإنهائها، إضافة إلى الأزمة الليبية وما تمثله من تهديد كبير للأمن في المنطقة. ففي القضية المالية استطاعت الدبلوماسية الجزائرية، الوصول إلى أحسن رواق في الحل السياسي، وتجمع ما لم يستطع أي طرف جمعه من قبل على طاولة الحوار، ومنها الحركات الأزوادية الثلاث التي تمثل معظم النسيج الاجتماعي في المنطقة التي شهدت اضطرابات وأزمات قاسية في السنتين الأخيرتين، كادت أن تؤدي إلى انفصال هذا الجزء من مالي عن بقية البلاد. وتبرز أهمية الدور الذي لعبته الجزائر في سياق هذه الأزمة، أنه جاء بعد العملية العسكرية الفرنسية التي عولت عليها باريس أن تكون نهاية للأزمة ووجود الفصائل المسلحة، لكن مرور الزمن كشف أن الأزمة أعقد من عملية عسكرية، تقضي على مظاهر العسكرة، لأن الأزمة لديها جذور إجتماعية، بل زاده التدخل العسكري تدهورا نتيجة تحالف القوات الفرنسية مع مكون عرقي ضد باقي مواجهة باقي المكونات. في حين الخطة الجزائرية للحل كانت جامعة، ظهر هذا في تكرار مصطلح "الحوار الجامع الذي لا يقصي أي طرف"، وهو ما استهلك الكثير من الشهور للتوصل إلى إعلان الجزائر، بعد تحفظ الحركة الشعبية من أجل تحرير الأزواد على الانضمام للمحادثات الاستكشافية التي انطلق شهر جانفي الماضي. كما تظهر معالم الوساطة التي قامت بها الجزائر في الأزمة المالية من خلال رصد لمواقف مختلف الأطراف وخاصة المكونات المالية من فصائل شمالية وحكومة باماكو، حيث حظيت بترحيب وإشادة من الجميع، ووصفها بالطريق الصحيح لحل الأزمة، زادها الترحيب الفرنسي ومن الاتحاد الافريقي زخما أكبر، وإقرار بأن الجزائر استطاعات بفضل وسطية مقاربتها للحل في مالي أن تجمع ما لم يتمكن أي وسيط آخر أن يجمعه على طاولة الحوار. وبالموازاة مع تقدم المساعي الجزائرية لحل الأزمة في مالي، شرعت الجزائر في التمهيد لخطوات لحل الأزمة في ليبيا التي تواجه هي الأخرى خطر حرب أهلية مدمرة تقضي على ما تبقى من معالم الدولة بهذا البلد الجار، حيث تسعى للتنسيق بين دول الجوار للعمل على منع تطور الأمور وتفادي انفجار الوضع، وانعكاساته على الأمن في الإقليم. ولم تنحصر المساعي الدبلوماسية الجزائرية في حل القضايا في الجوار، بل امتدت إلى دول الفضاء العربي، حيث بدأت تنضح مبادرة عبر محور الجزائر ومصر والمغرب بصفته رئيس اجتماع وزراء الخارجية العرب من أجل تحرك سياسي سريع للوصول إلى حل للأزمة العراقية والتطورات العنيفة التي تشهدها منذ أسابيع، بعد الهجوم الكبير لما يعرف بتنظيم داعش، وسيطرته على مناطق واسعة شمال البلاد، وهو ما كان محور اتصال جمع وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة بنظيره المصري نبيل فهمي. وتضاف هذه التحركات إلى الدعم الذي تقدمه الجزائر إلى تونس، وهي تمر بمرحلتها الانتقالية في مرحلة ما بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، وما يتهددها من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية. وأهم ما يلاحظ في التحركات الجزائرية هو النأي عن أي تدخل في الشؤون الداخلية سواء سياسيا أو عسكريا، وعدم الاصطفاف خلف أي فصيل معين داخل البلدان التي تشهد أزمات، بل تتبنى منهج الحوار الجامع غير الإقصائي، إضافة إلى إعطاء الأولوية للحلول الداخلية والاقليمية والابتعاد عن التدخل الخارجي قدر المستطاع.