معدل أربع حالات وفاة في السنة بسبب التسممات الغذائية المتجول من الشوارع والأسواق يلاحظ أعدادا كبيرة من التجار يعرضون بضاعتهم تحت أشعة الشمس والغبار، ولم يعد الأمر مقتصرا على المنتجات الغذائية فقط بل حتى اللحوم نجدها تباع في الأسواق الموازية، والتي تلقى إقبالا كبيرا من طرف الزبائن على الرغم من سوء حفظ هذه المنتجات، مما يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات حول دور الرقابة الصحية وخاصة في ظل ارتفاع درجة الحرارة الفصلية وزيادة الطلب على المواد الغذائية في الشهر الفضيل. مواطنون يخاطرون بحياتهم تجولنا في بعض الأسواق والمحلات وتقربنا من بعض المواطنين للتعرف على مدى وعيهم فيما يخص عملية استغلالهم للمنتوجات الغذائية، دخلنا سوق بومعطي بالحراش، حيث تبادلنا أطراف الحديث مع امرأة في الأربعينات من العمر وهي بصدد شراء علبة جبن تباع على طاولة، والتي قالت لنا: "رخص السلع يجلبنا لشرائها، فأنا أم لعائلة تتكون من عدد كبير من الافراد ومدخولنا ضعيف، وبالتالي أنا مجبرة على اختيار المواد الرخيصة، ولم أصب بمرض إلى يومنا هذا بسبب هذه المواد، وهناك رب يحميني أنا وعائلتي". لم نبتعد كثيرا عن بائع الجبن، فصادفنا امرأة أخرى كان رأيها مختلفا نوعا ما، بعدما ضاقت مرارة المرض الذي أدخلها المستشفى بسبب شرائها منتوجا لم تعلن عنه، قائلة: "كنت أشتري من الطرقات ولكن بعدما تعرضت لتسمم غذائي بسبب شرائي لمنتوج كان يباع في الطريق، وألزمني المستشفى مدة أسبوع قررت ألا أكررها". اقتربنا من عمي محمد الذي وجدناه بسوق باب الوادي، فأخبرنا قائلا : "أتمنى لو كان باستطاعتي اقتناء حاجياتي من المحلات التجارية، ولكني فقير وليس لدي بديل عن شراء ما يباع على الطرقات لأنه يمكنني أن اشتريها، فهي تتناسب مع مداخيلنا"، غيرنا وجهتنا ودخلنا إلى محل تجاري حيث يعرض التاجر بعض المبيعات أمام المحل، فسألناه عن علمه بتعليمات وزارة التجارة التي تقتضي منع التجار من عرض منتجاتهم في الخارج، فأخبرنا أن القرار لم يطبق بعد وهو مجرد حبر على ورق، مضيفا : "المحل كما ترونه ليس باستطاعته أن يستوعب جميع السلع وبالتالي فأنا مجبر على عرضها في الخارج، فعلى السلطات المعنية ان توفر لنا محلات أوسع حتى نضع كل سلعنا بالداخل. من يتحمل المسؤولية؟ وفي سياق متصل، حمل المواطنون المسؤولية للتجار الذين لا يهتمون سوى بالربح ويتلاعبون بصحة المستهلك، مستغلين غياب ثقافة الاستهلاك لديهم، مشيرين إلى أنهم دوما متهمون، بكونهم ليس لديهم ثقافة الاستهلاك، وإن كان تحمل المسؤولية بين التاجر والمستهلك، فإن الاختصاصيين في هذا المجال يحملون المسؤولية للهيئات التجارية من أعلى هرمها إلى أضعف حلقة فيها، وإن غابت الرقابة، فإن المستهلك ملزم بتبليغ الجهات المعنية من مديرية التجارة وجمعية حماية المستهلك بالتجاوزات التي تحدث حتى يتم ردعها. الحاج الطاهر بولنوار "لا معنى لأي رقابة في وجود أسواق فوصوية" أكد الناطق الرسمي للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين الحاج طاهر بولنوار، أن هناك قانونا يمنع عرض السلع و المواد الغذائية في المحلات التجارية لأشعة الشمس والغبار، كما يمنع بيعها في مكان غير نظيف وهذا من أجل حماية المواطن. وفي هذا السياق فند زبدي القرار الذي اتخذه الولاة ومصالح وزارة التجارة الذي يقتضي بمراقبة المحلات التجارية والتأكد من عدم عرضها منتوجات غذائية لأشعة الشمس والغبار، قائلا إن هذا القرار لا بد أن يمتد من الأصل، بضرورة تشديد الرقابة في مرحلة الإنتاج والتخزين والنقل أولا، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من المواد الغذائية تخزن في أماكن غير قابلة للتخزين، كما أن الجهد الذي يبذل في الوقاية أكبر من الجهد الذي يبذل في العلاج، وكشف أن المعدل السنوي للتسممات يصل إلى أكثر من 5 آلاف حالة سنويا، فالوقاية من التسممات ليست حكرا على جهة معينة فقط بل الجميع معني بالأمر مواطنين وهيئات رسمية وتجارا، مشيرا إلى أن هذا القرار لا بد أن يمتد إلى مرحلة اإنتاج والتخزين والنقل، لأن هناك بعض المواد الغذائية تخزن في أماكن درجة حرارتها مرتفعة بالإضافة إلى نقلها عبر شاحنات لمسافات طويلة، وبالتالي فعلى المصالح المعنية ان تتنبه إلى هذه المراحل الأولية قبل أن تراقب المحلات التجارية. وفي هذا الصدد، أضاف زبدي أن على الرقابة أن تقوم أولا بالقضاء على التجارة الموازية، وتخصيص محلات لكل تاجر يعمل بطريقة غير قانونية، فالرقابة تبدأ من هذه النقطة وتمتد إلى المراحل المذكورة سابقا إلى غاية الوصول إلى التاجر، فلا معنى للرقابة في وجود أسواق فوضوية. مصطفى زبدي معدل أربع وفيات في السنة بسبب التسممات الغذائية ومن جهته كشف رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي عن معدل أربع وفيات في السنة بسبب التسممات الغذائية، مشيرا إلى أن عدد التسممات يتراوح ما بين 4 آلاف إلى 5 آلاف في السنة، وأن هذا الرقم ليس دقيقا لكون العديد من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها من قبل الأطباء، لتخوفهم من الإجراءات التي تتبع ذلك. وقال زبدي إن هناك ما يسمى بالتسممات المزمنة التي تعتبر من الحالات المجبر الإبلاغ عنها والاعتراف بها، مشيرا إلى أنه من لا يصرح عنها تستوجب عليه عقوبات صارمة على حد تعبيره، محملا مسؤولية التسممات الغذائية لأعوان وقاية البلديات الذين تشكلوا بمرسوم تنفيذي 87/146 المؤرخ في جوان 1986 والخاص بإنشاء مكاتب للوقاية بالبلديات، مشيرا إلى أنه في كل بلدية خمسة أعوان لمراقبة المحلات التجارية، ما يعني أن عدد أعوان وقاية البلديات يتجاوز أعوان قمع الغش، والذين من شأنهم منع وقوع أي تجاوز من قبل التجار والذي يقي من حصول اي تسمم غذائي. واتهم زبدي مكاتب وقاية البلديات بالنوم والتخاذل في عملهم، مشددا على ضرورة تحركهم لأنها لا تقوم بدورها على أكمل وجه على حد تعبيره، فهناك 1541 بلدية عبر كامل التراب الوطني، ولكل بلدية مصالح وقاية، مرجعا انتشار حالات التسمم لهذه الهيئات "الصحة الجوارية"، كونها قريبة من المواطنين ولها دراية بالمواطن ونقاط البيع سواء كانت فوضوية أولا. الدكتور تشيكو "لا بد من تعميم مراقبة المنتجات الغذائية المستوردة" يرى الدكتور المختص في علم التجميد السريع والباحث العلمي أحمد تشيكو، أن الرقابة المحلية غير كافية، بحكم أن معظم المنتوجات الغذائية مستوردة تأتي من الخارج، وبالتالي فعلى الرقابة أن تبدأ من المصانع الأجنبية، مضيفا أن بعض المنتجات الغذائية الكثيرة الاستهلاك والتي تكون معرضة لأشعة الشمس تؤدي إلى مخاطر كبيرة على حياته، مشيرا إلى البيض الذي يعتبر مادة جد مستهلكة، والذي لا يمكن حفظه إلا داخل الثلاجة في درجة حرارة لا تتعدى 4 درجات، محذرا من اقتنائه في الطرقات، مما قد يسبب تسممات غذائية خطيرة، مضيفا أن نقص ثقافة الاستهلاك لدى المواطنين للمنتجات الغذائية سبب التسممات الغذائية التي تسجلها مصالح الاستعجالات.