فساد أخلاقي، انحراف وتعاطي علني للمشروبات الكحولية وشجارات متكررة بين متعاطي الكحول، هذه بعض المعاناة اليومية التي اشتكوا منها سكان حي ''البرانيس'' ببوزريعة بسبب المشاكل التي جلبتها لهم ''مخمرة'' تقع في قلب الحي المذكور غير بعيد عن المسجد والمدرسة الابتدائية على الطريق الرئيسي الرابط بين ''فريفالون'' بوزريعة. هي معاناة طويلة بدأت منذ أزيد من خمس سنوات، يعيش سكان الحي فيه يوميات تسودها حالة من الخوف واللاإستقرار بسبب تفاقم مظاهر الفساد والانحراف الأخلاقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولعل جولة صغيرة بين شوارع ''البرانيس'' تكشف واقع الحال هناك فقارورات وعلب الخمر الفارغة أضحت تشكل الديكور الأبرز للمكان. العائلات القاطنة بالحي المذكور تحدثت ل ''البلاد'' بمرارة عن هاجس الانحراف الذي صار يهدد مستقبل أبنائهم، فالجميع يتساءل عما يمكن انتظاره من طفل يدرس في الطور الابتدائي عندما يخرج مباشرة من باب المدرسة ليجد في مقابله قارورات الخمر ومظاهر الانحلال، تُنسيه ما تلقاه من معرفة في المدرسة، وتتحول إلى شغل شاغل في ذهنه. وإن كان هاجس محاولة هؤلاء التلاميذ تجريب المحظور، غير مستبعد تماما، فإن فئة الشباب في هذا الحيّ ليست في منأى عن هذا التهديد، بل أصبح واقعا محتما عليهم، كيف لا والمخمرة لا تبعد عن مكان إقامتهم سوى ببضع أمتار. ''قوة المخمرة'' أقوى من قوة القانون! سكان حي ''البرانيس'' رفعوا عددا من الشكاوى مرفقة بمئات التوقيعات إلى السلطات الإدارية من أجل إغلاق المحل، لكن دون جدوى، بدورها السلطات الإدارية أصدرت أوامر بإغلاقه لكن لم يُحرك ساكنا، وهو ما جعل السكان يُجزمون أن ''هناك يدا طويلة تقف وراء صاحب المخمرة''، وهو مالم يتردد أحد السكان عن الإفصاح عنه بالقول ''صاحب المحل يملك نفوذا أقوى من القوانين''، لدرجة بلغ فيها الحد به -يضيف المتحدث- إلى السخرية من عريضة الشكوى المرفوقة بالمئات من توقيعات المواطنين، والتلفظ بكلام مسيء بحرمة المقدسات. وما يبرز حسب المواطنين نفوذ صاحب المخمرة التي هي عبارة عن مطعم في شكله الخارجي يمارس فيه صاحبه نشاطات غير قانونية لم ترد في سجله التجاري، هو أن جميع القرارات التي أصدرتها السلطات المحلية لم يتم تنفيذها على غرار تعليمة الوالي المنتدب لبوزريعة بتاريخ 6 ماي ,2007 والمتضمن تبليغ رئيس المجلس الشعبي البلدي لبوزريعة آنذاك بإيفاد لجنة لمراقبة المحل ورفع تقرير عن الوضع بناء على شكوى المواطنين، وكذا اتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان وحفظ سلامة وأمن المواطنين. وسبقته تعليمة إلى رؤساء البلديات للمقاطعة الإدارية لبوزريعة تتضمن تذكيرهم بأوامر وزارة الداخلية القاضية بالسهر على حفظ الأمن العمومي وضمان الاستقرار والسكينة العمومية للمواطنين، مشيرا إلى أن ممارسة بعض النشاطات غير القانونية وكذا فتح محلات بيع المشروبات الكحولية بدون ترخيص وفتح محلات للدعارة والفساد، يتسبب في مشاكل تمسّ بالنظام العام، وعلى هذا الأساس أعطى الوالي المنتدب بتاريخ 5 ماي 2007 تعليمة تتضمن متابعات قضائية ضدّ كل من تُسوّل له نفسه ممارسة نشاط من هذا النوع بطريقة غير قانونية، بالإضافة إلى ذلك طالب أميار المقاطعة الإدارية بتزويده كل يوم أحد بتقرير مفصل حول النشاطات غير الشرعية على مستوى بلدياتهم. في سياق متصل، وقبل ذلك، أظهرت تحقيقات اللجنة البلدية المكلفة بالتحقيق ودراسة الملفات المتعلقة بالنشاطات المصنفة، لمرتين عدم ملاءمة النشاط ورفض سكان الحي لهذا النشاط المتمثل في بيع الخمر، وأرسلت محاضر البلدية إلى مصالح الوالي المنتدب للدائرة الإدارية ببوزريعة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف بيع واستهلاك المشروبات الكحولية، حيث راسل رئيس بلدية بوزريعة بتاريخ 17 سبتمبر 2002 الوالي المنتدب لبوزريعة تحوز ''البلاد'' على نسخة منها تتعلق بإبداء الرأي حول ملف صاحب المخمرة، وأبلغه بقرار التحقيق حول الملاءمة أو عدم الملاءمة الأول، إذ أنه وبعد الاعتراضات المقدمة من طرف السكان، تقرر رفض إنشاء نشاط بيع المشروبات الكحولية والمستهلكة بحي البرانيس 1 ببوزريعة. يليه المحضر الثاني للمداولة حول نفس الملف بتاريخ 4 مارس ,2007 يؤكد مجددا عدم الموافقة على ممارسة ذلك النشاط، بناء على اعتراض سكان الحي وتأثير النشاط على النظام العام وكذا على السكينة العمومية، ورغم ذلك بقي المطعم والحانة يمارسان نشاطهما، ضاربا بعرض الحائط كل هذه الإجراءات. شباب قصّر ينحرفون أمام مرأى السلطات العمومية تواصلت شكاوى المواطنين إلى جانبها شكوى تقدم بها المنتخبون المحليون، منها مراسلة بتاريخ 24 جوان 2008 إلى الوالي المنتدب، تتضمن معاناة السكان، وتحول حيهم خاصة قرب المدرسة الابتدائية ''الصومام'' إلى مفرغة لقارورات الخمر بكل أنواعها يلعب بها أطفال المدرسة. وأضاف المواطنون في شكواهم أنه ''تتشكل طوابير ليلية لشباب مراهقين يصطفون لشراء الخمر في أكياس سوداء ويتجهون إلى الغابة الصغيرة بحي البرانيس للتعاطي، وقد أكدت ذلك في العديد من المرات عناصر الأمن التي تقوم بمداهمات مفاجئة للمكان، وتلقي القبض على شباب قصّر يتعاطون الخمر. السكان يطالبون بالتحرك ويحذرون من انفجار ''وشيك'' سكان الحي المذكور تحدثوا إلى ''البلاد'' بلغة شديدة اللهجة للتعبير عن استيائهم من الوضع ونفاذ صبرهم من استمرار مسلسل الانحراف والفساد أمام مرأى السلطات العمومية، متسائلين عن سبب التزام الجهات المعنية الصمت إلى حدّ اليوم، مشيرين إلى أن الوضع ينذر بردّات فعل سلبية وغير متوقعة من طرف السكان، مثلما أكده لنا أحد السكان الذي قال إن ''الحيّ أصبح بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة ويلتحق بصفوف الأحياء التي تشهد أعمال عنف عارمة على غرار أحياء ''الكاريار'' وديار الشمس، نتيجة تراكم انشغالاتهم دون أن يجدوا الآذان الصاغية للحوار، وتقاعس السلطات المحلية في أداء دورهم المحلي. وفي السياق ذاته، يناشد السكان والي العاصمة التدخل العاجل من أجل وضع حد لهذا النشاط المضر بالأخلاق لاسيما وسط فئة الشباب القصر منهم والمراهقين ولسمعة البلدية، ويزيد من متاعب مصالح الأمن والعائلات المجاورة، محذرين في نفس الوقت من انفجار الوضع في أية لحظة وبالتالي فقدان السيطرة على الغاضبين. يذكر أن حانات بيع الخمور كانت سببا في اشتعال عدد من أعمال الشغب والعنف في عدد من مناطق الوطن، ولعل أبرزها أحداث العنف التي شهدتها بلدية برج الكيفان الساحلية شرق العاصمة سنة 2004 فيما سمي وقتها ''بانتفاضة الحرمة'' وأسفرت عن حرق مالا يقل عن 6 حانات بوسط المدينة، وهو الشيء ذاته الذي شهده فندق خاص بمدينة سيدي عيسى قبل سنتين انتهى بإحراقه من قبل المحتجين على نشاطاته