يعد شهر رمضان من الأشهر المباركة التي يحتفي بها المسلمون في كافة أنحاء المعمورة، لكن لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي تعود عليها والتي تزيد من حلاوة هذا الشهر الفضيل، سواء ما تعلق بالماكولات التي تحضر أو السهرات واللمات التي يقضونها وسط أفراد عائلاتهم وأصدقائهم، لكن يعيش العديد من الأشخاص نفحات هذا الشهر الفضيل بلوعة واشتياق بعيدا عن ديارهم وأهليهم ولكل ظروفه التي أجبرته على ذلك، فمنهم من اغترب مظطرا باحثا عن لقمة العيش ومنهم بسبب الدراسة وآخرون أجبرتهم ظروف الحرب في بلدانهم على تركها بحثا عن الأمن والاستقرار. ففي الجزائر يعيش عدد معتبر من الجالية العربية أيام الشهر الفضيل بنكهة تمتزج فيها العادات والتقاليد الجزائرية بعادات وتقاليد بلدانهم، حيث يبدون إعجابا كبيرا بطقوس رمضان في الجزائر والتي تختلف نوعا ما عن بلدانهم وأول ما جذب انتباهم كيفية استقبال رمضان والتحضيرات التي تكون أياما قليلة قبل حلول الشهر الفضيل، من خلال تنظيف للبيوت والمساجد وتزيينها، إضافة إلى شراء كل مستلزمات الطهي والتوابل وأكثر ما يلفت الانتباه ايضا التحضيرات المكثفة والمتواصلة لإعداد موائد الرحمة من طرف السلطات وحتى الجمعيات الخيرية. الجالية الأردنية في الجزائر مؤيد مدير مؤسسة من الأردن في 47 من العمر مقيم في الجزائر منذ سبعة أشهر، يقضي لأول مرة رمضان هنا لظروف عمله، وسبق له أن قضاه في المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، تحدث لنا عن بعض عادات العائلات الأردنية كاقتناء الفوانيس الرمضانية والقناديل مختلفة الألوان والأشكال والأحجام، وكذلك هلال رمضان وهو عبارة عن شريط كهربائي على شكل هلال تتوسطه نجمة تتزين به البيوت والمساجد والمحلات والشوارع والطرقات. وكما في غيرها من البلاد العربية تعمر بيوت الله بالصلوات والتلاوة والذكر والدعاء. ويقضي الشباب جزءا من سهرتهم في المقاهي الشعبية ومقاهي الانترنت المنتشرة في كل مكان. بينما يرتاد بعض الميسورين المطاعم والفنادق الضخمة لقضاء أمسيات رمضانية قد تتخللها سهرات ثقافية وفنية كما يتبادل الأقارب والجيران الزيارات في الليالي الرمضانية فتتعمق العلاقات الاجتماعية وتقوى الصلات بين افراد المجتمع. وتتنوع مائدة رمضان في الأردن ويتسيدها المنسف، وهو عبارة عن لبن رايب مع مرق اللحم البلدي والأرز والرقاق، إضافة إلى الفتوش الذي يعد وجبة رئيسية في هذا الشهر المبارك ويتكون من الخبز المحمص والبقدونس والخيار والخس والزيتون والليمون وكذلك (المسخن) وهو خبز بلدي مع البصل المقلي وزيت الزيتون ولحم الدجاج المحمر مع السماق. أما الحلويات والمشروبات فأشهرها القطايف والكنافة وقمرالدين وعرق السوس والتمر الهندي. أما عن رمضان في الجزائر فقال إنه بختلف نوعا ما، لكن المشكلة لا تكمن في الاختلاف في الاكل وفي العادات ولكن في البعد عن الأهل والأولاد والأصدقاء وتلك النكهة التي تبقى مرتبطة بالبلد فقط، لكن يبقى صيامه في دولة عربية مسلمة لها عاداتها وتقاليدها التي يمكن أن تشاركهم فيها أحسن من قضائه في دولة أجنبية لا تشعر فيها بطعم رمضان من أصله، وقد أعجبت كثيرا بطبق الحريرة والمثوم الذي أحضره له صديق جزائري في ثاني يوم. أما بالنسبة للحلويات فهو لأول مرة يتذوق الزلابية وقلب اللوز. هدى هي الأخرى من الأردن وهي طالبة أتمت دراستها هذه السنة في قسم علوم الأعلام والاتصال، تصوم هذه الايام في الجزائر وبالتحديد في مدينة بوسعادة في انتظار الحصول على شهادة نجاح مؤقتة من الجامعة والعودة إلى الأردن وسبق لها أن أدت فريضة الصيام في الجزائر سنة ألفين وعشرة والفين وإثنا عشر، وهي من أم جزائرية تعودت أن تعد لهم اطباق جزائرية وهي لا تشعر كثيرا بالفرق، خصوصا وأنها تقضي هذه الأيام في بيت خالها، لكن يبقى الحنين إلى الوطن والأهل في رمضان وغير رمضان. مصريون يمزجون بين العادات المصرية والجزائرية أما عمر من مصر في الخمسين من العمر، يعيش في الجزائر منذ 4 سنوات ولظروف عمله ايضا، تعود أن يقضي رمضان هنا طيلة الأربع سنوات الماضية بعيدا عن زوجته وأولاده وقد تعود على العادات والتقاليد الجزائرية من أكلات والتي يحضرها له الأصدقاء أو العزائم التي لا تنتهي والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على كرمهم وتفانيهم في فعل الخير. أما عن السهرات فيقضيها عمر أحيانا في البيت أمام التلفاز وأحيانا في مقاهي رفقة أصدقاء جزائريين وعرب. أما عما جذب انتباهه وأثار استفساره خلال الشهر الكريم في الجزائر، فهي المحلات التي تظل مغلقة طيلة الصبيحة رغم أن هذا الشهر هو شهر عمل وجد وليس العكس. أما فيما يخص العادات المصرية فلشهر رمضان عادات وتقاليد يتوارثها الناس عن آبائهم وأجدادهم فما إن تثبت رؤية الهلال إيذانا ببدء الصوم حتى يجتمع الناس رجالا ونساء وأطفالا في المساجد والساحات العامة يستمعون إلى الأناشيد والمدائح النبوية ابتهاجا بقدوم هذا الشهر. كما يقوم العلماء والفقهاء بالطواف على المساجد والتكايا لتفقد ما جرى فيها من تنظيف وإصلاح وتعليق قناديل وإضاءة شموع وتعطيرها بأنواع البخور والمسك والعود الهندي والكافور، وللفانوس أهمية خاصة في مصر. أما عن الماكولات والمشروبات ففي الغالب يبدأ المصريون في الإفطار بمشروب مثلج في شهر الصيف وفي الغالب ما يكون هذا المشروب هو العرقسوس نظرا لتميزه في أنه يمنع العطش نهاراً في الصيف. في حين تتناول بعض العائلات مشروبات مثل الكركدية (مع وجوب الحذر من تأثير الكركديه على مستوى ضغط الدم، أو قمر الدين المانجو أو البرتقال المثلج الذي تم تخزينة ليبدأو بعد ذلك في تناول الإفطار الذي عادة ما يضم بعض الحساء منها شوربة لسان العصفور، إضافة إلى طبق الفول التي تحرص عليه كل أسرة وخاصة في السحور والزبادي، والكنافة، والقطائف التي تعد من أشهى الأطباق والتي لا تستغنى عنها العائلات المصرية طيلة الشهر. أما إن كنا نتمنى شيئا في هذا الشهر الفضيل فهي أن يتقبل الله منا صيام وقيام هذا الشهر المبارك وأن يعيده علينا بالصحة واليمن والبركات. حسام هو أيضا مواطن مصري تعود أن يصوم رمضان في المغرب على خلاف هذه السنة التى سيصوم أيامه الأولى في الجزائر، قال إن رمصان هنا لا يختلف عن المغرب ومصر أو في بلد آخر مسلم والهدف منه ليس الأكل والشرب والسهرات، بل يجب اغتنامه في الطاعة والذكر والتقرب من المولى عز وجل لأنها فرصة لا تعوض وقد يعود علينا السنة التي بعدها وقد لا يعود. كذلك يقضي الكثير من السوريون رمضان هذا العام في الجزائر وهم يعيشون الأمرين، رغم كل المساعدات التي تقدم إليهم من فبل السلطات وحتى من طرف المواطنين، مرّ بعدهم عن وطنهم والظروف التي يمر بها ومرّ صعوبة اكتساب لقمة العيش. الجالية السورية تعاني الأمرين بعيدا عن الوطن والأهل السيدة مريم في الأربعينيات من العمر، واحدة من اللواتي أجبرتهم ظروف الحرب على مغادرة بلدهم بحثا عن الأمان والاستقرار، لكن هيهات من ظروف الحياة ومصاعبها فهي اليوم تجول بين أحياء العاصمة للتسول لتتمكن من تأمين لقمة العيش لبناتها. أما عن رمضان فهي تفطر في مطاعم الرحمة التي تعدها الجمعيات الخيرية وهو حال الكثيرات من مثلها. وتتابع كيف يمكن أن نعيش حلاوة الشهر والحرب في بلادنا وكل يوم أهلنا يموتون فقد أصبحنا الآن نعيش على ذكريات أيام عشناها في بلدنا رفقة أهلنا وجيراننا.