أظهر المشاركون في الملتقى الدولي المغاربي "الشيخ البشير الإبراهيمي وآفاق الحداثة" الذي اختتم اليوم بمدينة رأس الوادي بولاية برج بوعريريج، معالم الفكر التنويري لهذه الشخصية المعروفة بتوجهها الديني والإصلاحي. ونظم اللقاء من طرف المكتب الولائي لجمعية الدراسات الفلسفية لولاية برج بوعريريج، وحمل عنوان الإبراهيمي وسؤال التنوير"، وسجل مشاركة العديد من الباحثين والأكاديميين من جامعات جزائرية عدة، بأوراق بحث تتناول الفكر التنويري والحداثي عند البشير الإبراهيمي، إلى جانب باحثين من خارج الجزائر على غرار فاطمة مومني وحمادي بن جاد الله ولطفي الحجلاوي من تونس، وسيدنا أحمد نوح من موريتانيا، وعبد الله أدالكو وعبد النبي الحري من المغرب، ومحمد بو عبد الله من لندن الذي يقدّم ورقة بحثية بعنوان "النزعة النقدية عند الإبراهيمي". ويعد الشيخ البشير الإبراهيمي 1889-1965 من أبرز علماء الجزائر، ومن أقطاب الفكر والأدب في العالم العربي، وترأس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد وفاة مؤسسها الأول رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر العلامة عبد الحميد بن باديس. وعن أسباب احتفال المنظمين بالإبراهيمي، أوضح بشير ربوح رئيس الجمعية المنظمة في تصريحات لموقع "الجزيرة نت"، أن اختيار الإبراهيمي كمظلة فكرية يأتي لأسباب داخلية وخارجية ترتبط بشخصيته، وبارتباطها بالمكان، "فهو ابن المنطقة". وأشار إلى أن الإبراهيمي كان عالما مستنيرا بالنظر إلى الفترة الزمنية التي عاش فيها، والتي "كانت مسيجة بعصبيات ناتجة عن الرؤية الضيقة للدين، وعن السلطة السياسية لتلك المرحلة، وبالتقاليد الموروثة التي ترسبت في طبقات اللاشعور الجمعي. ويقول ربوح إن اختيار الإبراهيمي جاء لحكمه شخصية رمزية، "ونحن في ثقافتنا نطرد الرموز، وبيّن أن الملتقى هو "محاولة لتوطين هذا الرمز في مكانه وثقافته". والحديث عن علاقة الإبراهيمي بالتنوير يعني حسب ربوح "الحديث عن الإبراهيمي الإنسان، والإبراهيمي الهوية، والإبراهيمي والأدب"، وكمفكر أيضا حينما طرح الأسئلة لم يكن برأيه "سجين أفقه الفكري، ولكنه من حيث الشروط التاريخية يطرح أسئلة ستبقى بمفاهيمها المتعددة". ومن جانبه، أوضح الباحث في الفكر الإسلامي اليامين بن تومي أن الملتقى يسلط الضوء على جانب آخر مغاير تماما لما عرف به الإبراهيمي كشخصية دينية. وبيّن ذلك بقوله، "مفهوم التنوير كما أوضحه الفيلسوف إيمانويل كونت في رسالته (ما الأنوار) هو أن تتجرأ على استخدام عقلك وفهمك الخاص، وهو ما تحقق في فكر الإبراهيمي الذي استطاع باستخدام عقله إيجاد الطرق المثلى لصياغة مشروع تنويري جزائري خالص، في مرحلة اتسمت بالاستعمارية والضغط وطمس الشخصية الوطنية". ولأن التنوير لا يرتبط باستخدام العقل فقط بل بإشاعة العقلانية داخل فضاء عام، ومحاولة تجديد الوعي الاجتماعي والتاريخي لأمة بعد أن طمست هويتها وثوابتها، فقد نجح الإبراهيمي برفقة أعضاء جمعية العلماء في إعادة تثبيت الهوية الوطنية للمجتمع الجزائري، وهي جهود أدت لاحقا إلى تحرير الفرد الجزائري، وجعلته يؤمن بأنه ذات مستقلة عن الآخر الذي هو الاستعمار. هذه الاستقلالية الداخلية باعتقاده، حققت الاستقلالية الخارجية، وأنضجت بعد ذلك تجربة حرب التحرير، ثم تجربة الاستقلال.