تعرف الساحة السياسية في الوقت الحالي، حالة من عدم التوافق، صنعتها إرهاصات رئاسيات 2019، والتي تفصلنا عنها قرابة السنة الواحدة فقط، حيث إن حالة الشك ليست فقط على مستوى أحزاب المعارضة، وإنما امتدت حتى إلى أحزاب الأغلبية الرئاسية، التي لم تحدد موقفها بعد من هذا الاستحقاق. وفي هذا المشهد الضبابي، بخصوص الرئاسيات القادمة، شرعت قوى المعارضة بالتحرك افتراضيا وواقعيا، سعيا منها لجس النبض والبحث عن رجل توافقي، يمكن أن يجتمع عليه الجزائريون، وفي هذه النقطة هناك من المعارضة من يبحث عن شخصية لم يسبق لها أن تولت مناصب حكومة ولا كانت مسؤولة عن أي حزب سياسي..
رجل "التوافق".. حرام على السلطة حلال على المعارضة غير أن البعض الآخر ما يزال يرغب في ترشيح شخصيات سياسية كانت لها مسؤولية عليا في الدولة، من أمثال مولود حمروش، وأحمد بن بيتور، مما يعطي انطباعا وإشارات قوية للطرف الآخر في السلطة، على أن المعارضة التي تريد ترشيح هذه الشخصيات "التوافقية" ليست بالراديكالية، بقدر ما تهدف لتحسين الوضع القائم، بعد أن "فشلت السلطة الحالية" في إحداث التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأصبح مسؤولوها (التجارة والمالية) يبشرون الجزائريين بخراب الدار في آفاق 2019 و2020. في حين يلوم البعض ما وصفوه بنفاق المعارضة التي كانت تنتقد في كل مرة النضام لما يختار مرشح إجماع وتوافق لتعود الآن المعارضة وتسير على درب النظام في طرح رجل توافق. وفي هذا السياق، أكدت مصادر من المعارضة ل«البلاد" أنها شرعت في التحضير، لمبادرة تجمع المعارضة على شخصية واحدة لدخول غمار الاستحقاقات الرئاسية القادمة، وهي المبادرة التي تتقاطع مع الطرح الذي عرضه مؤخرا حزب جيل جديد، حيث تسارع الزمن هذه المجموعة للاتفاق فيما بينها على برنامج واحد يكون محل إجماع الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بمختلف أطيافه، للذهاب لعهدة انتقالية محددة في مدة قصيرة، قد لا تتجاوز العهدة الواحدة. وتجد المعارضة لحد الساعة صعوبة، في تحديد الاسم التوافقي، باعتبار أن البرنامج توجد له أرضية سبق وأن تم الاتفاق عليها وهي أرضية مزافران، التي لا تزال قائمة في مبادئها على العديد من السياسيين، رغم الشرخ الذي حدث بين أطرافها بعد الانتخابات التشريعية والمحلية الماضية.
الطلاق مستمر بين بن فليس، مقري وحنون أخلط كل من رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، ورئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، أوراق المعارضة، التي كانت تسعى لدعم شخصية من وزن علي بن فليس، وحزب بوزن حركة مجتمع السلم، غير أن الطرفين، يبدو أنهما أخلطا الأوراق لحد الساعة، بعد أن أجمعا أن الظرف الراهن ليس للتنافس على الرئاسيات، بقدر ما يحتم على الطبقة السياسية الواعية، العمل على إيجاد حلول للخروج من الوضعية الاقتصادية الصعبة، وما يحتمل أن ينجر عنها من أوضاع اجتماعية، تحذر منها أغلب الأطراف، خاصة مع التصريحين الأخيرين لعضوين في حكومة الوزير الأول أحمد أويحيى، ويتعلق الأمر بوزير التجارة والمالية، الذين بشرا الجزائريين الأول - بأن البلد "يتجه نحو الحائط" و-الثاني - نبأهم بمستقبل صعب من خلال مراجعة قائمة الدعم في القريب لآجل آفاق 2019 و2020. وحصل ما يشبه إجماع بين لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال، وعبد الرزاق مقري وعلي بن فليس، رغم الاختلافات الجوهرية بين الأطراف الثلاثة، سياسيا واقتصاديا وأيديولوجيا، حيث إن لويزة حنون، اعتبرت في آخر ظهور إعلامي لها أن الوضع يتطلب التحرك لإيجاد حلول عاجلة للوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن أولوية حزبها في الوقت الراهن ليست الانتخابات الرئاسية القادمة. وفي هذا السياق، أقر المكتب السياسي لحزب العمال مبادرة سياسية، ستكشف عن تفاصيلها الأمينة العامة للحزب، يوم الأربعاء القادم، لتوضح طبيعتها وشكلها، ومن هي الجهات المعنية وبها، وكيفية التحرك وآليات تجسيدها ميدانيا.
ارتباك في صفوف المولاة من جهة أخرى، تعيش أحزاب الموالاة إرباكا، حيث لم يحدد أي منها موقفه بخصوص الانتخابات الرئاسية القادمة والمزمع إجراؤها خلال سنة 2019، خاصة بعد اللغط الحاصل هذه الأيام على مستوى حزب جبهة التحرير الوطني، وإطلاق النائب بهاء الدين طليبة لتنسيقية دعا فيها الرئيس بوتفليقة لتجديد ولايته لعهدة أخرى، وهو ما أزعج الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس وأحال على إثرها النائب المثير للجدل على لجنة التأديب والانضباط. كما وجه تعليمات حذر فيها قيادات الحزب من الحديث عن الرئاسيات القادمة. والوضعية نفسها تشهدها أحزاب الأغلبية الرئاسية، حيث لم تتضح لها الصورة حاليا بالشكل الكاف، واكتفت في كل خرجاتها الأخيرة بالتأكيد على أنها مستعدة لدعم الرئيس بوتفليقة في حال أبدى رغبته في مواصلة مشواره للعهدة الخامسة.