جاءت مبادرة وزارة الدفاع الفرنسي والتي كانت حسب الكثير من المتتبعين للشأن السياسي الفرنسي بإيعاز من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، والخاصة بالتكريم الرسمي للجنرال السفاح بيجار، وذلك بتحويل رفاته إلى دار المعطوبين “ليزان فليد” اعترافا له على الخدمات الإجرامية الكبيرة التي قدمها لدولة الاستعمارية آنذاك ضد الشعب الجزائري عموما ومناضلي الجبهة والمجاهدين خصوصا. وأحدث هذا الأمر انشقاقا واضحا داخل المجتمع الفرنسي نفسه ومن شأنه توتير العلاقات بين الجزائر وباريس التي تريد فيما يبدو، استغلال كل الأساليب الممكنة لتمكين ساركوزي من الفوز بعهدة ثانية، خاصة أن الرجل يواجه منافسة شديدة من طرف غريمه من الحزب الاشتراكي “هولند”. وأشارت كل استطلاعات الرأي إلى تقدمه ، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة المرتقبة من طرف زعيمة اليمين المتطرف والتي أصبحت تستعمل كل الشعارات المعادية للإسلام والمسلمين كمطية للوصول إلى الحكم بفرنسا. وشرع نشطاء وحقوقيون بفرنسا وبمختلف الدول التي اقترف بها بيجار جرائمه، في شن حملة عبر الانترنت، حيث قاموا بإنشاء موقع للتعبير عن إدانتهم الكبيرة لهذا التكريم لشخص مجرم أكثر منه عسكري. وقد وصل عدد الإمضاءات لحد الآن إلى 9984 توقيع تمثل مختلف الشرائح من مختلف المجتمعات خاصة الفرنسي، ذلك أن المبادرة قادها وزراء سابقون ومسؤولون وسياسيون ونقابون وممثلون لجمعيات المجتمع المدني وفنانون ومنتخبون ومشاركون في حربي الهند الصينية والجزائر. ومن أبرز الموقعين على هذه المبادرة الرامية إلى إجبار وزارة الدفاع الفرنسي على التراجع عن فكرة نقل رفاة بيجار إلى دار المعطوبين “ليزان فليد” نجد كل “غرانميزون وجيل مانسيرون وأليفي لوكور والمقاوم السابق ريمون أوبراك وأرملة موريس أودان جوزيت أودان”، بالإضافة إلى المؤرخ الجزائري محمد حربي. واعتبر هؤلاء قرار نقل الرفاة بمثابة إساءة ووقاحة سياسية تنم عن أهداف انتخابية واضحة لكنها بالمقابل تعكر صفو العلاقة بين فرنسا والدول التي اقترف بها بيجار جرائمه الاستعمارية البشعة. من جهة أخرى، يحدث كل هذا في الوقت الذي لازالت الطبقة السياسية بالجزائر تقف موقف المتفرج من القرارات الأخيرة التي مافتئ ساركوزي يعلنها عبر هيئات مختلفة في إشارات سياسية واضحة للجزائر بأنه “لا اعتذار” عن الجرائم الاستعمارية المقترفة في حق الجزائريين.