يعد المرحوم عبد الحميد مهري، وفق رأي كثيرين، تاريخا قائما بذاته، أو نافذة تختصر أهم التحولات التي عرفتها الجزائر بعد تفجر ثورة التحرير وصولا إلى الاستقلال وما بعده. وعاصر أهم اجتماعات قادة الثورة، لكنه اختلف مع بعضهم لاحقا على الأسلوب. تولى وزارة الإعلام وعمل في الصحافة والتعليم، وكان سفيرا في المشرق العربي وأوروبا، ليصل بعد ذلك إلى الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني الذي قاد الجزائر منذ عام 62 حتى التعددية السياسة قبل التسعينات. ولد هذا الرجل المثقف والسياسي والمجاهد المعروف بميولاته القومية العربية، في الثالث أفريل 1926 بالخروب في قسنطينة، ونشأ في وادي الزناتي أين حفظ القرآن الكريم وتلقى أولى دروسه. انخرط الراحل في صفوف حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، واعتقل في نوفمبر 1954 وبقي في السجن حتى أفريل 1955، بعد أشهر عين ضمن وفد جبهة التحرير الوطني بالخارج، وشغل منصب عضو في المجلس الوطني للثورة، ثم في لجنة التنسيق والتنفيذ. وشغل منصب وزير شؤون شمال إفريقيا عند تشكيل الحكومة المؤقتة الأولى، ثم وزيرا للشؤون الاجتماعية والثقافية في التشكيلة الثانية، وعرف بمشروع يسمى باسمه هو مشروع مهري للرد على مشروع ديغول. وبعد الاستقلال عُين الراحل أمينا عاما لوزارة التعليم الثانوي 19651976، ثم وزيرا للإعلام والثقافة في مارس 1979 ثم سفير الجزائر في فرنسا 19841988 ثم في المغرب حتى استدعائه إلى الجزائر وتوليه منصب الأمانة الدائمة للجنة المركزية ثم منصب الأمين العام للحزب. وفي السياق ذاته، يشكل رحيل عبد الحميد مهري خسارة كبيرة للتاريخ الجزائري، فالرجل رحل حاملا معه كثيرا من الأسرار والوقائع التي كان شاهدا عليها أو صانعا لها خلال وبعد الثورة التحريرية. وكان مهري قد أعلن بصفة ضمنية في لقاء بالإذاعة الوطنية سنة 2007، أنه بصدد الشروع في كتابة مذكراته، إلا أن المشروع لم يتحقق، لتطوى صفحة أخرى من تاريخ الجزائر دون أن تنال حظها من التوثيق. ورغم هذا، كتب الراحل عشرات المقالات وشارك في ندوات كثيرة تحدث خلالها عن مواقفه وخلافاته مع قادة الثورة وحتى اتفاقه معهم كما تحدث الرجل المثقف عن تهميش المثقفين بعد الاستقلال، قائلا بعد 1962 وقع تغيير في الإستراتيجية، فبعد أن اعتمدت الثورة على جميع القوى، اتضح أن المجال لم يعد مفتوحا إلا على جماعة من المخلصين.