باب الواد الشهداء .. هل يتصالح مع الصندوق؟ لا يأمل حي باب الوادي الشعبي الكثير في التشريعيات المقبلة رغم أنها تأتي في ظل الحراك السياسي الذي يشهده الوطن العربي وتباينت أراء أبناء هذا الحي بخصوص فوز الإسلاميين في الاستحقاقات المقبلة، ففي الوقت الذي يبحث فيه شبان هذا الحي الخلاص والهجرة إلى ما وراء البحار يتوقع رجاله وشيوخه على مضض فوز الإسلاميين بالنظر إلى التجارب الماضية خاصة تلك المرتبطة بتوقيف المسار الانتخابي بداية التسعينيات. بين الأمل في التغيير وحلم الهجرة والبحث عن الخلاص لا شيء تغير في سوق الدلالة أكبر الأسواق الشعبية في حي باب الوادي منذ أحداث سنة 1988 سوى أن محمد 45 سنة أصبح رجلا بعدما كان في عز شبابه في بداية التسعينيات، حيث عايش فترة فوز الفيس المحل قبل أن تقرر السلطة في تلك الفترة توقيف المسار الانتخابي، يفترش محمد الأرض ويبيع الهواتف النقالة بسوق الدلالة بالنسبة إليه الهواتف النقالة القديمة تعتبر مصدر رزقه يتمنى محمد فوز الإسلاميين في التشريعيات المقبلة لكنه لم يبدو متحمسا وهو يتحدث حيث قال «يمكن أن يحصل لو أجريت الانتخابات المقبلة بطريقة شفافة ونزيهة لكن في حال وقع العكس، ثم يتوقف عن الكلام ويضيف بالقول «بالنظر إلى التجارب المقبلة» في إشارة إلى الفيس المحل» قبل أن يكمل ويأمل أن يفوز الإسلاميين كون المعطيات تغيرت «فهناك تغيير يحدث حولنا لقد فاز الإسلاميون في مصر وفي تونس وفي المغرب يمكن أن يحدث ذلك في الجزائر» جاء أمل محمد على مضض وبدا أنه كان مشغولا ببيع هواته النقالة وعرضها على المارة. في المقابل كان سيد علي منهمكا في بيع الأحذية بالسوق ذاته شاب لا يتجاوز 20 سنة بدا وكأنه يبحث عن الخلاص، الخلاص من واقع معيشي يقول إنه أنهكه كثيرا، إذ يقطن سيد علي ببيت فوضوي، بالنسبة لمحمد فوز الإسلاميين أو الديمقراطيين في التشريعيات المقبلة ليست في أجندته فهو يحلم بالهجرة، لا يعرف سيد علي شيئا عن الأحزاب الإسلامية ويعرف فقط الشيخ عبد الله جاب الله. كما يعرف علي بلحاج على أساس أنه تعود زيارة الحي كلما كان احتجاج، بالنسبة لسيد علي الحياة هي تلك الموجودة ما وراء البحار ويقول «لقد سئمنا حقا من هذه البلاد أريد الحرڤة». عندما يتمنى الشيوخ العيش بسلام يختلف رأي عمي سعيد عن رأي سيد علي فعمي سعيد 60 سنة يأمل كثيرا في التغيير ويتمنى فوز الإسلاميين ويقول «أعتقد أن الأمر يختلف عن سنوات التسعينات والسلطة لم تعد تخشى من التيار الإسلامي كما أن العالم يتغير، والإسلاميون وصلوا السلطة في مصر وتونس والمغرب ونريد التغيير بطريقة سلمية» لا نريد العيش سنوات الجمر نريد العيش بسلام» كان عمي سعيد يهم بدخول مسجد النصر لأداء صلاة الظهر وهو يدعو بالعيش بسلام. يتشكل أغلب سكان باب الوادي من الشباب، وإن كانت نسبة لا يستهان بها قد استطاعت مواصلة الدراسة إلى مستوى الجامعة، إلا أن غالبية هذه الشريحة لم تتعد مرحلة الثانوي، وفي غياب فرص العمل يفضل الشباب، نصب طاولات لبيع الخضر والفواكه أو الملابس وإسطوانات لأفلام مقرصنة وغيرها من المواد متحدين القوانين التي تمنع وتعاقب مثل هذه النوعية من النشاطات التجارية. عرف حي باب الوادي الشعبي بانحدار العديد من مناضلي وقادة الفيس المحل منه وشنت السلطة إثر توقيف المسار الانتخابي حملة اعتقالات واسعة في تلك الفترة ولا يزال سكان الحي يتذكرون جيدا ما حصل لكنهم لا يحبذون الحديث في الموضوع ويريدون النظر باتجاه المستقبل تقول الحاجة فاطمة 50 سنة كانت تقتني حاجياتها من سوق باب الوادي، إنه لا يهم من يفوز الإسلاميون أو الديمقراطيون المهم حسبها من يعمل ويأتي بخير لهذه البلاد ويخرج هذا الشعب من دوامة غلاء المعيشة وأزمة السكن. أصحاب اللحى يطلقون السياسة يختلف حي باب الوادي الشعبي عن أحياء العاصمة الأخرى كونه من أكثر الأحياء الشعبية المحافظة، حيث تشاهد أغلبية النساء يرتدين الحجاب رغم أن الزي أصبح مختلفا بعد أن أدخلت عليه بعد التعديلات التي تتماشى والواقع الحضاري الحالي. كما يمكن أن تشاهد نساء متجلببات ويمكن أن يكون حي باب الوادي من الأحياء القليلة التي لا تزال بعض نسائه يرتدين الجلباب، تحدثنا إلى سامية ترتدي جلبابا ونقابا كانت بالسوق رفقة وقالت سامية إنه شيء جميل أن يفوز الإسلاميون في التشريعيات المقبلة وأن يعمل هؤلاء على تمثيل رأي الشعب ورفع انشغالاته للسلطة، لكن نخشى أن يغتر هؤلاء بكرسي البرلمان ويصبحون يعملون فقط من أجل مصالحهم الضيقة، وأعتقد أن المسألة مرتبطة بالأخلاق والمبادئ. وحسب سامية، فإن الجزائر كانت لها تجربة مع الإسلاميين الذي أصبحوا حاليا يعملون لصالح السلطة ودخلوا ضمن تحالف يخدم مصالحهم الخاصة، سامية امرأة مثقفة جدا وتتابع ما يجري من تغيرات في الوطن العربي وترى أن ما يحدث في مصر وتونس والمغرب يختلف تماما عن الجزائر فالجزائر بحاجة إلى تغيرات جذرية. أمام مسجد النصر حيث كان يعلو صوت الإسلاميين منه خلال فترة التسعينات كان بعض الرجال من أصحاب اللحى جالسين حاولنا الحديث معهم لكنهم رفضوا وبدا أنهم من التيار الإسلامي المحسوب على الفيس المحظور وقال أحدهم طلقنا السياسة منذ التسعينيات. أما فيصل 34 سنة شاب ملتحي أجابنا أن فوز التيار الإسلامي مرتبط بتحالف مختلف الأحزاب الإسلامية في الجزائر فيما بينها وتطليق السلطة طلاقا بائنا، قبل أن ينتقد رفض السلطة عودة مناضلي الفيس للنشاط السياسي من جديد ويرى فيصل أن عودة هؤلاء يؤكد الرغبة الحقيقة للسلطة في تحقيق الإصلاح والمضي قدما نحو التغيير السلمي التوافقي عدا ذلك فهو سيناريو مفبرك لا آمل لنا فيه». الخبير في العلاقات السياسية الدكتور بوحنية قوي حملة بدون برامج .. وخطابات بشعبوية مفرطة ما تقييمكم للحملة الانتخابية في أسبوعها الأول؟ أرى أن الحملة الانتخابية في بدايتها كانت «باردة» بل إن الكثيرين لم يشعروا بها خصوصا المواطن البسيط الذي أصبح همه الحصول على معيشة كريمة، وغالبا ما تكون الحملة في بدايتها كذلك. لكن للأسف توقعنا أن تكون أكثر اختيارا للبرامج وللترويج الإعلامي والتركيز على البرامج التي تقنع المواطن والناخب بصفة خاصة. ما تفسيركم لخروج المترشحين الى الأحياء الشعبية مباشرة؟ سؤال هام جدا، وهو ما حصل بالفعل لعدة أحزاب وللعديد من المترشحين وفي مختلف ولايات الوطن. في تقديري أن النزول إلى مواطني الأحياء الشعبية هو عبارة عن رغبة من المترشحين للبحث عن قواعد ربما أو أضواء إعلامية كاشفة والتركيز على الفئات الهشة واستعطافها أيضا، وهي بصراحة تدخل في إطار التسويق الإعلامي للحملة الانتخابية والنزول من فوق إلى أسفل والخروج من المكاتب المكيفة إلى الواقع والجزائر العميقة ومحاولة استشعار الواقع المرير للمواطن البسيط أيضا. هل يعكس ذلك الخوف من المقاطعة؟ أم ذلك يعتبر تجديدا في طريقة الحملة الانتخابية؟ حسب التجربة الانتخابية في الجزائر منذ الانفتاح السياسي، أرى أن ذلك ليس رهانا بالنسبة للأحزاب خصوصا في الظروف الحالية لأننا ماضون إلى انتخابات نواب الشعب وممثليه في قبة البرلمان. أليس لذلك إشارة أخرى وتجديد في طريقة العامل السياسي والانتخابي مع الناخبين؟ بصراحة أكثر، وبالعودة إلى التجربة الانتخابية الجزائرية، فالجزائر سبق لها أن نظمت انتخابات من مختلف مشاربها انتخابات تشريعية ومحلية ورئاسية وفي هذه الحالة أي انتخابات ممثلي الشعب فإن الذهاب إلى الأحياء الشعبية هو عبارة عن البحث عن شرعية شعبوية إن وجدت. في سياق آخر، في رأيكم هل تؤثر ظاهرة ارتفاع الأسعار والاحتجاجات على سير الحملة الانتخابية؟ لا أعتقد أن ارتفاع الأسعار عنصر ضاغط بهذا الاتجاه، ولكن هناك تخوفا آخر يتمثل في الضجر من كثرة الوجوه والأشخاص. هل برودة الحملة الانتخابية راجعة الى أن الرئيس بوتفليقة لم يحدد الرهانات من هذه الانتخابات في العاشر ماي خصوصا أنه اعتبر الانتخابات في العاشر ماي المقبل بمثابة أول نوفمبر؟ لا دخل للرئيس في الموضوع، فالمسألة مرتبطة بالأحزاب ووظيفتها في الماضي والحاضر والمستقبل، ومن الطبيعي أن للأحزاب رؤية وبرامج ورهانات خاصة، وبخاصة في الانتخابات التشريعية التي تعتبر أكبر انتخابات تمثل رهانا حقيقيا لنجاح الأحزاب أو فشلها في استقطاب المواطنين. أما بالحديث عن أول نوفمبر فأرى أن الرئيس يريد نهضة أخرى للجزائر وتطوير المجتمع. الخبير في علم الاجتماع السياسي الأستاذ فاتح وادفل ل«البلاد» : الأحزاب تحولت إلى هياكل.. ولا تملك بدائل في نظركم، كيف تقيّمون الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية؟ أولا، من خلال ما هو موجود في الساحة ومن خلال الملصقات والتجمعات التي نسمعها هنا وهناك، ومن خلال وسائل الإعلام السمعي البصري وحتى من خلال الجرائد. الحملة الانتخابية «باهتة» ولا وجود لبرامج يمكن أن تستقطب المواطن البسيط. وأرى أن الأحزاب السياسية لا تحمل برامج ولا طروحات سياسية واجتماعية يمكن أن تشد انتباه الناخبين. ما تفسيركم لخروج المترشحين إلى الأحياء الشعبية مباشرة؟ هم يحاولون التجذّر في قلب الجزائر العميقة لأنها تخدم خطابات شعبوية للدخول إلى الأحياء. لأن الأحزاب أصبحت ترى نفسها أنها غير قادرة على تمثيل الشعب في البرلمان ولهذا فهي تحاول التجذر وترك بصمة في المجتمع بالذهاب الى الأحياء الشعبية ومعرفة آلام الفئات الاجتماعية. هل يعكس ذلك الخوف من المقاطعة؟ أم ذلك يعتبر تجديدا في طريقة الحملة الانتخابية؟ هذا طبيعي، فكل الاحتمالات واردة لكن يجب أن أذكر أن الأحزاب أصبحت مجرد هياكل ولا تملك هياكل للأحزاب وطروحات وبدائل وبرامج يمكن أن تحمل المواطنين والناخبين على اعتبار أنهم أرقام مهمة في معادلة الانتخابات. هل تؤثر ظاهرة ارتفاع الأسعار والاحتجاجات على سير الحملة الانتخابية؟ الشعب يريد الثقة بمنتخبيه وهو ما تعمل عليه الأحزاب السياسية من أجل استقطابه. وهي مخاوف تتضح من خلال محاولة الأحزاب جميعها استشعار مشاكل وهموم واهتمامات المواطنين في كل المناطق. هل ترون أن برودة الحملة الانتخابية راجعة إلى أن الرئيس بوتفليقة لم يحدد الرهانات؟ من واجب الأحزاب أن تحدد الرهانات، ووظيفتها أن تمثل الشعب في المجلس الشعبي الوطني.