عندما تتدخل القوى الأجنبية عسكريا في البلدان العربية التي تمر بحالة حراك شعبي عنيف يخرج العرب عن تحفظاتهم وصمتهم منددين بذلك التدخل، والغرب لا يتدخل ولا يتحرك إلا بعد أن تصل الدماء الرُّكب، لذلك نجد أنفسنا أمام حالة خطيرة تنذر بتفكك الخريطة العربية إلى قبائل متناحرة، حيث القوى العظمى تمول الأنظمة بالسلاح وبالنار والحديد لقمع شعوبها ثم تنقلب عليها لتغيير خريطة القمع وأدواتها. هذا الأمر يضعنا في مقاربة أخرى.. إما أن يترك المجتمع الدولي طغاة الأنظمة المستبدة يذبّحون الأطفال ويمعنون في قتل الشباب ومطاردة كل صوت معارض، أو تتدخل الدبابات الغربية وطائرات الناتو لرجم الثكنات والقصور والقطع العسكرية المتنقلة من مدينة لأخرى على النحو الذي عرفته الحرب في ليبيا. وفي كلا الحالتين تبقى الأزمة قائمة، بل وتشتد من يوم لآخر فمعدل القتل في سوريا بدأ يفوق معدلات القتل في ليبيا، لذلك تبدو سوريا أقرب إلى الفوضى التي لا تنتهي منها إلى الاستقرار، لأن المنطق نفسه الذي حكم النظام الليبي سابقا يتحكم في الرؤية السياسية للنظام السوري الذي سيسقط لا محالة. ولأن العرب غير قادرين على القيام بأي خطوة سياسية أو عسكرية من شأنها كبح جماع نظام بشار الأسد وطائفته التي استباحت دماء وأعراض الناس هناك، فإن التدخل سيظل قائما وحاجة الضحايا إلى من يحميهم من بطش بشار ونظامه أقوى من أي اعتبار آخر. لذلك ستظل سوريا ضحية التناقضات في المواقف العربية والبراغماتية في القرارات الغربية، وستكون بقية الدول العربية ضحية أخرى لنفس الموازانات والوضعيات والاعتبارات.