''لاحظت عندكم في الجزائر اهتماما كبيرا بالأدب الشعبي على الصعيد الأكاديمي والإعلامي والتنشيط الثقافي، إلا أنني أسجل، تقدم البحث والنقد على الإبداع الشعري المكتوب باللغة الدارجة''.. هكذا يقول الشاعر الزجال المغربي أحمد لمسيح الذي يتحدث في هذا الحوار عن ظروف تأسيس الرابطة المغاربية للأدب الشعبي في الجزائر.. كيف أتت فكرة تأسيس الرابطة المغاربية للأدب الشعبي؟ كان بالإمكان الإعلان عن تأسيسها في أكتوبر 2007في اختتام أشغال الملتقى العربي الأول للأدب الشعبي بتيبازة، لكننا فضلنا التأني وإنضاج الفكرة ومراعاة خصوصية كل قطر وتوسيع مجال الاستشارة وكي يكون لميلاد الرابطة المغاربية قيمة مضافة وليس كميلاد الكثير من المؤسسات التي لا تتجاوز في وجودها لحظة الإعلان عنها. ماذا تقصد؟ أقصد بالقول إننا لم نرغب في أن نضاف إلى لائحة طويلة من وفيات اليوم الأول، ولهذا توصلنا في تيبازة إلى تكوين لجنة تحضيرية للتأسيس واتفقنا على أن تكون الرابطة مؤسسة من طرف الشعراء والباحثين في الأدب الشعبي وليس من طرف مؤسسات واتحادات أو من طرف الحكومات، أي أنها نتيجة تفاهم بين الأفراد ومبادرة منهم، ومن الأمور التي تحدثنا فيها مطولا، المقر والقانون والتمثيلية في الرابطة، وتوصلنا بالإجماع إلى أن يكون المقر في الجزائر لاعتبارات من أهمها أن الفكرة انبثقت في أرض الجزائر وتكريما للملتقى الذي احتضنها، أما عن القانون فقد كان الاتفاق على أن يكون ملائما لقوانين الجمعيات في بلد المقر كما هو معمول به في كل البلدان في العالم والمطبق حتى على الشركات. ماذا عن مسألة الانخراط في الرابطة؟ لم نفكر في ''الكوطا'' أو تحديد سقف لكل بلد والتزمنا ألا يكون الانخراط عن طريق مندوب الرابطة قائما على الانتقاء، بل يحصل عليه من يستحقه، وها أنت ترين الآن أنه أعلن عن التأسيس. كيف ترى دور هذه الهيئة المغاربية في تعزيز والحفاظ على الموروث الشعبي المتنوع؟ نريد أن نبدأ متواضعين وقد لاحظت في بيان التأسيس أننا لم نعد بالأحلام والكلام الكبير بل التزمنا وتعاقدنا على أمور واقعية وقابلة للتحقق على أرض الواقع وبقوانين مرنة وسهلة التطبيق وكلما أنجزنا نسبة عالية من برامجنا كلما خطونا وتقدمنا وقلنا كبرت رابطتنا، ولكن هذا لا يتناقض مع وجوب التوفر على الطموح، نؤمن بالمراحل لا بحرقها، وهذا يعني أن الرابطة سيضاف مجهودها إلى مجهودات أخرى وسنلفت الانتباه لدى الجهات المسؤولة بصفتنا قوة اقتراحية، وسنعمل على إقامة شراكات لتطويع الصعاب وتذليلها بمراعاة خصوصية كل بلد لأننا مقتنعون بأننا لن نكون بديلا عن أي جهة أو منافسا لأي طرف بل سنشترك مع الجميع لإنصاف الذاكرة والموروث الشعبي باعتباره مكونا أساسيا لهويتنا ومستحضرين في نفس الآن غناه وتنوعه.. هناك أطراف عدة عليها واجب العناية بالموروث الشعبي، هناك الإعلام والجامعة والأفراد والجمعيات والحكومات والدبلوماسية.. كلهم روافد للعناية والتعريف والحفاظ على الموروث، فهو بطاقة انتسابنا للعالم. ما هي الخطوط العريضة التي تفكر فيها الرابطة لتنشيط الحركة الثقافية المغاربية؟ التحسيس بأهمية الموروث الشعبي والعمل على التعريف به عن طريق النشر والملتقيات الثقافية وطرق أخرى سنعلن عنها عندما تكون شروط نجاحها مكتملة، فالأفكار والإرادة متوفران، ولكننا اتفقنا في الرابطة ألا نكون حالمين أكثر من اللزوم وألا نكون مستسلمين للإكراهات، بل علينا أن نعرف كيف نتجاوز العقبات وتدليل الصعاب. كيف تقيم الملتقى الثاني للشعر الشعبي مقارنة مع الدورة الأولى؟ هناك تطور وسلبيات البدايات لا يمكن تجاهلها في كل التجارب، المهم هو النظر إلى النصف المملوء من الكأس، والتفكير في تجاوز العثرات، وأتمنى أن تتحدد في الدورة القادمة المحاور الفرعية للموضوع المركزي للملتقى وأن تصنف الجلسات الشعرية بناء على اللون التعبيري، وإن كنت أحترس من مصطلح الشعبي لأنه فضفاض وملتبس ويمكن أن يكون مكونا، في نظر الباحثين، من فضاء شعري أوسع وأرحب وهو الشعر المكتوب بالدارجة، وحبذا لو كانت الدورة المقبلة تتناول تعدد التجارب والتسميات ويتعرف المشاركون على التجارب في تنوعها وكليتها وليس من خلال أفراد والذين لايمكن أن يكونوا إلا نماذج من فسيفساء، فحتى الشاعر الواحد يمكن أن تتعدد تجاربه ومراحله مهما كانت الثوابت..وتحديد المفاهيم المختلفة؟ فعلا، لابد من تحديد المفاهيم وتعريف المصطلحات المتداولة في كل قطر دون أن نفكر في توحيده.. المجهودات تتكامل وتتوحد ولكن المصطلحات المحلية لايمكن محوها من طرف مصطلحات أخرى أو فرض مفاهيم بديلا عن أخرى..وأعطيك مثلا.. لو قلت ''أنت زجال'' لأحد الشعراء الذين يكتبون باللغة المحكية ''الدارجة'' بطريقة غير تقليدية أو غير معتمدة على التداول الشفوي في المشرق فسيعتبر أنك تحطين من قيمته، بينما عندنا في المغرب نستعمل الأدب الشعبي في عموميته ولكن شعر اللغة الدارجة نسميه الزجل. لماذا؟ لسبب بسيط فهو ولد كنموذج للتجديد والخروج عن النمط في الأندلس بهذا الاسم، وهاجر هذا اللون التعبيري الجديد وانتشر وتلون بالبيئات الجديدة عليه وتعددت أشكاله وتسمياته، ولكن أستحضر هنا مصطلح الشعر.. يضم كل أشكاله والتصنيفات تأتي كتسميات فرعية منه فيطلق الشعر على ما قاله امرؤ القيس والمتنبي وابن عربي وشوقي والسياب وأدونيس ودرويش والماغوط وسعدي يوسف.. ما أرمي إليه هو أن نعرف تجارب ومصطلحات بعضنا حتى لا نسقط على بعضنا تصوراتنا ونلغي ماذا يقصد هو بتصوراته، ولا نوهم أنفسنا بتحقيق المستحيل وندّعي أننا سنوحد التسميات بل المصطلحات والمفاهيم، لأنه ليس من حق أحد أن يطلب من غيره التنازل عن تسمياته ليقترض منه تسمياته هو كما تحلو له، فقط ما نطمح إليه هو نذأن نعرف بعضنا ونتبادل المعارف. ألا ترى أن الشعر الشعبي يحضى بالكثير من العناية مقارنة بالأنواع الأدبية الأخرى ضمن التراث اللامادي؟ نسبيا..، المهم هو أن هذه الألوان والتعابير بدأت تستقل بنفسها بعدما كانت ضيفة على فنون أخرى مثل الأغنية والمسرح والسينما والإشهار والتشكيل وبعض أشكال الفرجة ما قبل المسرحية وأعطيك مثالا.. في المغرب ينظم مهرجان دولي للحكاية يقدم فيه الحكواتيون من دول مختلفة حكايات في الهواء الطلق وفي فضاءات متعددة، بل هناك راو مغربي يحكي نصوص بورخيس بطريقة شعبية في حلقته بساحة جامع ''الفنا'' بمراكش وقد لاحظت عندكم في الجزائر اهتماما كبيرا بالأدب الشعبي على الصعيد الأكاديمي والإعلامي والتنشيط الثقافي، إلا أنني أسجل، وأتمنى ألا أكون متسرعا في هذا الانطباع، تقدم البحث والنقد على الإبداع الشعري المكتوب باللغة الدارجة فمثلا ما يقوم به الدكتور جمال الخشاب من مقاربات إجرائية وتحليلية قائمة على أحدث المناهج بينما ما تزال تجارب تحديث الشعر المكتوب بالدارجة محتشمة ومترددة وربما أسيرة الذائقة العامة ولكن هناك إشراقات أعتبرها مؤسسة للمستقبل، وإن كنت من المؤمنين بأن التقليدية والنمطية لا تستسلمان بسهولة، فمثلما تمارس الحداثة اغتيالا أوديبيا للتقليد فالتقليدية أيضا تمارس الإقصاء بالمعنى الفرويدي للتحديث