أعرب مواطنو بومرداس عبر مختلف البلديات عن تذمرهم من تصرفات شباب استولوا على الطرقات الرئيسية والفرعية وكذا الأزقة التي تحوّلت إلى مواقف خاصة بالسيارات ومختلف العربات، حيث يُجبر أصحابها على دفع مستحقات خدماتهم التي أخذت مع مرور الوقت شكلا شرعيا رغم أن هؤلاء الشباب لا يملكون أية رخصة لاستغلال الطرقات وعند رفض الدفع من طرف صاحب السيارة سيكون عرضة لعمليات سرقة أو تخريب وحتى الضرب، لأن منطق هؤلاء هو الدفع ولو بالقوة. كل شيئ " باركينغ " خلال جولة ميدانية قادتنا إلى عدد من شوارع بومرداس الرئيسية انطلاقا من وسط المدينة إلى بعض البلديات ذات الكثافة السكانية الكبيرة وقفنا على الوضع المر الذي يعانيه أصحاب السيارات ممن يجبرون على ركن سياراتهم بأحد أزقة هذه الشوارع، فبمجرد أن تجد مكانا لك يقف شاب أمام سيارتك ليرد عليك "باركينغ" وهو المصطلح الذي تعوّد عليه الحراس غير الشرعيين للحظائر، وعند الاستفسار لدى أحد السائقين أكد لنا أنه غالبا ما يركن سيارته بالحي نظرا لمكان عمله ولا يجد في الصباح هذا "الحارس الوهمي" لكنه بمجرد أن يصل إلى سيارته في المساء يقف أمامه طالبا أجرة لخدمة لم يقم بها، والغريب في الأمر يقول محدثنا أنه لا يتعامل مع نفس الشاب فالوجوه تتغير من يوم إلى آخر، وعند الاستفسار عن الشاب السابق يرد عليك "الحارس" أنه يعمل بشارع آخر. عصي وأسلحة بيضاء من جهته أكد لنا مواطن من الحي أن نشاط "الباركينغ" يتوسع من سنة إلى أخرى فبعد أن كان خلال سنوات التسعينات يخص الحراسة الليلية لمكان ركن السيارات وهي العملية التي كان يتكفل بها بعض شباب الحي البطال، توسّعت لتشمل حتى ساعات من النهار لكن هذه المرة ليس شباب الحي الذين يقومون بالحراسة بل شباب نجهل هويتهم، وقال محدثنا إن الأحياء لا تخلو من الشجارات التي تصل إلى غاية تخريب السيارات المتوقفة وهو ما يحصل عندما يرفض صاحب السيارات الرضوخ لقانون "حراس الباركينغ" الذين ينشطون ضمن جماعات منتشرة عبر كل أزقة بلدية بومرداس، وغالبا ما يستعملون الأسلحة البيضاء والعصي ضد الرافضين للدفع. ادفع أو تدفع وعند بلوغ الشوارع المعروفة بوسط بومرداس، وجدنا أن السلطات المحلية تُخصص جهة من الشارع الرئيسي لتوقف السيارات، ويتم ذلك بالتداول كل 15 يوما على أن يسمح ركن السيارات في الليل بشكل عادي، وبعين المكان اكتشفنا أن هناك عددا من الشباب من استغلوا الوضع لفرض "قانون الباركينغ" على مساحات شرعية للركن فبمجرد أن يعود صاحب السيارة إلى عربته يقف عنده شاب يُطالب بمستحقات الحراسة والويل لمن رفض الدفع، حيث يرد عليه الشاب بوابل من السب والشتم وقد تتعقد الأمور لتصل إلى المشادات، أما إذا ركن السائق سيارته بالأزقة الفرعية بالشارع الرئيسي فهو هنا مجبر على دفع غرامات تتراوح بين 50 و100 دينار، وحسب شهادات سكان البلدية فإن المتخلف عن الدفع أو من يشتكي الأمر إلى الشرطة فسيكون عقابه ثقيل، وهو ما حدث لإحدى المواطنات التي فضّلت رفع شكواها بعد أن طالبها الحراس ب 100 دينار إلى عون الأمن العمومي الذي كان قريبا من الحي، حيث لحقت بسيارتها عدة أضرار في اليوم الموالي للحادث. الدولة في خبر كان ورغم تخصيص السلطات المحلية لولاية بومرداس بالتنسيق مع مؤسسة تسيير المرور والنقل الحضري للولاية مساحات لركن السيارات، إلا أن هذه الأخيرة أصبحت لا تستوعب الكم الهائل من العربات التي تقصدها يوميا، وفي انتظار تسلم مشاريع إنجاز حظائر جديدة يبقي المواطن ما بين المطرقة والسندان على حد تعبير العديد ممن تحدثنا معهم، فهم إما مجبرون على دفع الإتاوات لمحتكري الأرصفة والشوارع أو التعرض لمخالفات أعوان الشرطة الذين وسّعوا من عملية وضع "الكماشات" في الفترة الأخيرة، وهي العملية التي مسّت حتى بعض الحظائر التي كانت مستغلة من طرف الشباب البطال، وهو ما وقفنا عليه بحي "الكرمة" المتواجد بوسط المدينة الذي كان يعود إليه المواطن في رحلة البحث عن مكان لركن سيارته وسط الولاية، وصادف تواجدنا مرور أعوان الأمن الذين باشروا وضع "الكماشات" للسيارات المتوقفة بالشارع، ولدى الاستفسار عن الأمر، أكد لنا أحد أعوان الأمن أن توجيهات المسؤولين أكّدت على ضرورة إخلاء العديد من الشوارع والأزقة من السيارات التي أصبحت تعرقل حركة المرور بها، وهي العملية التي ستتوسع لتمس العديد من أحياء بومرداس في المستقبل القريب للحد من انتشار"حراس الأرصفة". مهنة من لا مهن له الوضع لا يخص شوارع بومرداس فقط، بل يمتد إلى غاية باقي بلديات الولاية، ففي حي "بن تركية" ببودواو غرب بومرداس حوّل عدد من الشباب البطال مساحات اللعب الخاصة بالأطفال إلى "باركينغ" مع وضع لافتة عند المدخل وتحديد تسعيرة الركن، وحتى المساحات التي تقع قرب العمارات فهي الأخرى تم احتكارها من طرف الشباب الأمر الذي دفع سكان الحي إلى الدخول مبكرا إلى البيت أو وضع متاريس في مكان الركن حتى لا يتم استخدام المكان من طرف الطفيليين عن الحي على حد تعبير أحد السكان، وما زاد الطين بلة هو استغلال هؤلاء الشباب من الحراسة مهنة يستنزفون بها جيوب المواطن بعد أن بلغت تكلفة حراسة السيارة في الليل إلى 400 دينار، حيث أصبح من المستحيل يقول سكان الحي ترك السيارة في الليل من دون حراسة وإلا ستكون عرضة للسرقة. وإذا تحدثنا عن الأماكن التي تكثر بها المؤسسات الإدارية والاقتصادية فحدث ولا حرج حيث يكون الظفر بأحد الأرصفة المقابلة لها بمثابة العثور على كنز حسب أحد المواطنين، الذي أكد لنا أنه قد لا يأبه في العديد من المرات إلى المبلغ الذي سيدفعه للحارس الذي يتكفل بإيجاد مكان له عندما يكون في عجلة من أمره، في حين أشارت لنا سيدة أخرى أنها تفضل دفع الإتاوة لحراس الحظائر على أن تدخل في مناوشات معهم لا أول لها ولا آخر. " صياعة " لا رادع لها وأمام هذه المعاناة التي طال أمدها يُطالب المواطنون المصالح الولائية والبلدية بالتدخل لفرض هيبة الدولة والقانون والإسراع في فتح مساحات جديدة لركن السيارات، أو تنظيم هذه الحظائر العشوائية وفق قوانين صارمة، مع تعيين حراس مؤهلين واعتماد إجراءات كفيلة لضمان حقوق كل من السائق والحارس، سواء تعلّق الأمر بتحديد تسعيرة معقولة تخدم الطرفين أو ما يتعلق بطريقة الحراسة المنظمة، خاصة ونحن نشاهد أن طرق بومرداس كلها أصبحت مختنقة لأنها تحوّلت بكل بساطة إلى "باركينغ" حتى وسط الطرق العمومية الرئيسية دون أن يتدخل مسؤولو البلديات ولا مصالح الولاية للحد من الظاهرة.