بمجرد الإعلان عن تنفيذ مشروع مسلسل أو فيلم ديني أو عمل يتناول سير الصحابة –رضوان الله عليهم-، إلا وتتقاذف سهام الذم ذات اليمين وذات الشمال، وتزداد دعوات المقاطعة التي يشنها مختلف مجاميع البحوث الإسلامية، وهذا بالفعل ما حصل مع "فاتح مصر" عمرو بن العاص الذي جسده الممثل المصري نور الشريف، والمسلسل الإيراني "يوسف الصديق" الذي عرض رمضان الماضي، وكذلك فيلم "الرسالة" للمخرج السوري مصطفى العقاد والذي جسد الكثيرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا مسلسل "الأقدار" بطولة عزت العلايلي تأليف محمد الغيطي عن رواية نجيب محفوظ "عبث الأقدار"، والذي منع من العرض منذ أكثر من عشر سنوات لأسباب دينية، السيناريو نفسه يتكرر مع المسلسل السوري -الذي سنتطلق أولى حلقاته اليوم- "الحسن والحسين"، الذي يتناول شخصيتي الحسن والحسين ابني الامام علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه ورضي عنهم-، حيث أثار المسلسل موجة غضب عارمة بين الأوساط الديني في مصر، كما أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف قرار بمنع عرضه. وفي خضم كل هذه المعطيات، تتواصل لعبة "القط والفأر" التي يلعبها صناع الفن ومشايخ مجاميع البحوث الإسلامية، ففي الوقت الذي يشن فيه علماء الدين حملات لمقاطعة هكذا أعمال، يصر بعض المنتجين والمخرجين على انجازها، ومن بين الأعمال التي تم الإعلان عنها مؤخرا والتي ستشعل أزمة جديدة في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، الفيلم الذي يعكف على تحضيره المخرج الإيراني ماجد مجيدي، والذي يتناول السيرة العطرة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي خطوة أقل ما يمكن أن توصف به أنها جريئة، قررت الشركة المنتجة لهذا العمل والتي يديرها المنتج مهدي هيريان أن يظهر الفيلم شخصية الرسول لأول مرة على شاشة السينما، ومن المنتظر أن يؤدي مخرج العمل شخصية سيدنا محمد. المخرج الإيراني شديد التطلع للإنتاج الفني العربي، خاصة التاريخي منه، والهجومات والإشكاليات التي تواجه الأعمال الفنية التي تجسد الأنبياء والرسل وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة، حيث برر قراره عمل فيلم سينمائي عن حياة الرسول الكريم، بسبب قلة الأفلام التي تتحدث عن التاريخ الإسلامي المجيد وحياة الرسول الأعظم، حيث لم يتم إنتاج سوى عدد قليل من هذه الأفلام قبل أكثر من 40 عاماً، في حين تم إنتاج أكثر من 200 فيلم عن حياة النبي عيسى، وأكثر من 100 فيلم عن حياة النبي موسي، فمن الطبيعي ألا يعرف المسلم كثيرا عن حياة نبيه العظيم بسبب قلة الأفلام التي تم إنتاجها عن حياته الشريفة، كما أن إنتاج فيلم عن طفولة النبي في الوقت الحاضر الذي تشهد فيه الهوية الإنسانية أزمة خانقة للغاية، بعد سقوط بعض القيم الأخلاقية والإنسانية لدرجة جعلتنا نعيش فيما يسمي بالجاهلية الحديثة، سيجعل من الفيلم مشعلاً يضيء الدرب للجيل الراهن والمستقبل، وقال ذات المخرج في تصريحات صحفية إن الدافع الحقيقي وراء انجازه لهذا الفيلم هي الصور الكاريكاتورية التي رسمها الكاريكاتوري الدانماركي في سخرية لشخص رسول الله، إضافة إلى نشر كتاب "آيات شيطانية". ومن المرتقب –حسب تصريح صناع الفيلم- أن ينجز هذا العمل الذي سيثير الكثير من الجدل في ثلاثية سينمائية ضخمة ترصد حياة الرسول منذ ولادته وحتى وفاته، حيث يتناول الجزء الأول سيرة طفولته حتى بلوغه سن الثانية عشرة، إلا أنالجدل الأكبر حقاً سيكون في الجزء الثاني الذي سيظهر فيه الرسول الأكرم لأول مرةعلي الشاشة بعد أن امتنع صناع الفن في العالم العربي والإسلامي من الاقتراب من تلكالمنطقة المحظورة والشائكة، نظرا لكثرة الفتاوي الإسلامية التي تحرم تماماً تجسيدالأنبياء والرسل وآل البيت علي الشاشة بشكل عام، وشخصية الرسول بشكل خاص، بينما أصرالمخرج ماجد مجيدي علي تجسيد شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم لأول مرة في التاريخ،مؤكداً أنه هو الذي سيقوم بدور الرسول، ضارباً عرض الحائط بكل قوانين حظر تجسيدالنبي صلي الله عليه وسلم التي تعارف عليها السينمائيون منذ القدم، حيث زار مجيديالمغرب لاختيار أماكن التصوير في المراحل التحضيرية للفيلم التي اقتضت أن تشمل رحلةالتصوير التنقل بين بلدان عدة ومنها إيران. وسيتم تصوير غالبية المشاهد في المغرببعد أن تكررت زيارات المخرج لمواقع التصوير خلال السنوات القليلة الماضية، وقد استعان صناع الفيلم بعدد من رجال الدين ومؤرخين وباحثين في السنة النبوية الشريفة من الجزائر والمغرب وإيران وتونس ولبنان والعراق، لجمع وترجمة الوثائق التاريخية للأحداث، على أن يتم ترجمة العمل في حال تنفيذه إلى العربية والفارسية والانجليزية. وستكون الأيام المقبلة هي الفيصل في مصير هذا العمل الذي يطمح المخرج الايراني ماجد مجيدي على تنفيذه، ضاربا آراء بعض علماء الدين حول تحريم الأعمال الفنية التي تتناول سير الصحابة والأنبياء عرض الحائط. هبة الرحمان