ها قد تبدّل حالي واعتراني مايؤجج النار في أوصالي ، صرت منكفئا على نفسي غير آبه لما ستصير إليه أحلامي و أيامي الحب ؟ أستحلفكم بالله لا تسألوني عنه ، دعوه بعيدا ، بيني وبينه رموز وإشارات ، تلويحات منه أو مني حين يغيب القمر ويذبل ورد الحدائق البعيدة ، في عزلتي جنتي ، مقامي الذي أصطفيته ، قبري الذي يستر أسراري ويدعني آمنا حدّ الثقة العمياء ، فالدنيا تغيّرت ، وابن آدم إما شاكيا أو باكيا ، وأقرب الأصدقاء صار أبعدهم ، أمكرهم ، يسرق من جيي وقلبي ، يحتال حتى على ماتبقى من مشاعري ، حين أتوسّد أحلامي وأترك عيني تغرق في ظلام الغرفة البنفسجية اللون ، وألتفت لأتذكّر ما جرى ، لا أصدق ، ينتابني إحساس حاد ، يرمدّ ماكان أخضرا ، ويطغى على القلب حزن شديد ، أقول حينها : الذي فات مات ، إنتهى ، صار ذكرى طيبة ، الإنسان مقدّر عليه أن يعيش على صدى ذكرياته ، لقد حاولت ، لم أبخل بما ملكت ، كريما كنت ، والذي يحب مع الأيام يتغيّر ، الشحيح يصبح سخيّا والجبان شجاعا والذي له عقدة في لسانه تحلل ، هذه المراحل والصفات مرّت عليّ ، فحين كنا ننفرد أنا وهي في زاوية ما يكون القلب قد إنطلق بين شرايينه واللسان الذي كان متلكئا مترددا داخل صمت الشفاه أصبح مثل النهر يهدر ، لا ينصرم كلامه أمام الحَوَر الذي حازته عيناها ولا الخدود التي كانت تصرعني بحمرتها وملاستها ، لذلك عليك أن تصبر ياصاحبي حين أستل رأس الخيط لأحكي ، أسهب ، آتيك بما لم تحطط به علما ، فالوجدان ضاق ، وعيني برّح بها الدمع ، وسريري صار لا يطيعني لدى الغفوة الأولى في هذه الليلة التي غاب قمرها وذبل ورد حدائقها البعيدة ، كان ذلك منذ سنوات يوم دخلتْ هي ، يوم هبّتْ كنسمة البادية ، ووجدتني جاثما على كرسي مهتريء ، ياقة قميصي معقودة عند العنق مثل صبيّ لم يتعوّد على مثل هذه الثياب ، صامتا كنت أحدّق في اللاشيء ، يحدث معي أن أغيب ، أهاجر ، أقيم في المناطق المحظورة ، المناطق التي تطّيّر النوم عني في الليل وتتركني هائما في النهار ، لا تلحّوا عليّ في وصفها ، فالمقام يطول وأنا هنا زائر خفيف ، والله العظيم كم أؤثر وصفها لكني موجز غير مهذار ، مختصر غير مكثار ، لا أدري لماذا ، ربما يأتي يوم التفصيل ، التدقيق ، الحفر الى أن تكل يدي ودمي ، ربما ، لكنها الآن ، وقد تربّعت على الكرسي مثل عريشة الحبق الأندلسي ، جعلتني أقفز في داخلي مثل مهر البراري ، أمامي الماء والعشب المندّى و ساحتي ، أستطيع أن أركض فيها بالطول والعرض ، لا أحد يلجمني ، ينهرني ، يقف حائلا بيني وبينها ، لي خُلقت ، بإسمي جاءت الى الحياة ، ماأجمل الحياة معها ، سألتني ، هذا مكتبك ،؟ هذا مكتبي إطالة الحديث معها غير مسموح ، غير مرخّص ، بعد قليل سيؤنبني قلبي إذا سايرتها وأطنبت في الكلام ، يقول لي من بين شرايينه : " دعها تبادر ، توميء ، تنفرج عن لوثة أو نأمة " ، أحترم تقديره للظرف ، للزمان والمكان ، صار منتبها ، هذا جميل في حضرة الحريم ، كيف تسنّى له ذلك ، ؟ ، من أية تجربة يغرف ، يستدل ، يحاذر ،؟ ، لا أدري ، في خمارها البنفسجي ، يشع القمر ، نور على نور ، عيناها لؤلؤتان لم يكتشفا بعد ، متى تنزل في بحري لتكسر لؤلؤة الوجدان ، ؟ ، متى ،؟ ، حين أرفع بصري يرجع وهو حسير ، حين أهم بتقصي تقاسيم وجهها أشدد الى الوراء ، لا أدنو ، لا أقترب ، حاولت مرات متعاقبة ، لكني إنثنيت ، الجمال العظيم يحييك أو يقتلك ، مواجهته سر ، قداسة ، خطفة تصيب المرء فيجد نفسه إما مسحورا أو مدحورا ، لم يحدث لي هذا من قبل ، لذلك حين مرّرت يدها على خمارها وهي تثني قطعة منه على ظهرها أصبت في المركز ، في النقطة التي كنت أتحاشاها وأتفاداها وقت الدهشة والتعجب ، أهذا حالي الآن ، ؟ ، أباغت يوم لا أملك من الدفاع شروى نقير ، كيف سُنح لها أن تأتي ؟ ، أين من أخبرها أن وظيفة شاغرة تنتظرها هنا ،؟ ، هل فكرت أنها ستقابل شخصا ما في هذا المكتب ويواجهها صباحا ومساء ، ؟ ، شهران فقط مرا على توظيفي هنا كذلك ، قبلها كان الحجر قد تورّمت يدي منه واستخشنت ، يقينا أن رؤية أخي الجيلالي ليدي المشققتين الخشنتين تركته يركض هنا وهناك مفتشا لي عن عمل بحكم أكتافه ، ذيوع صيته بين المسؤولين الكبار ، " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، رددت أمي الآية وعلت وجهها بشرى ندية ، يومها سررت ، غادرت فراغي المهول الذي كنت أعيشه ، شرف الإنسان عمله ، قوته ، بدونه يصبح كالفطر ، قضيت أكثر من خمس سنوات عاطلا عن العمل بعد أدائي الخدمة الوطنية ، اللهم إلا تلك المغامرات التي كنت أجترحها بين "الزّوية " ، وبعض أسواق مدينتي ، كانت الكسوة هي العمل المسيطر بين حدود المغرب و الجزائر ، جرى هذا في نهاية االثمانينات وبداية التسعينات ، أين كانت الجزائر على فوهة بركان ، تغلي ، تفور ، الكل يدلي بدلوه ، يتحسس أقرب السبل وأهونها ، هل كنت أتحسس أقرب السبل وأهونها ،؟ ، لا ، فالهامشيون نداءهم لا يسمع ، مجبرون على الخضوع ، الإستسلام ، مراقبة المسائل عن بعد ، كبح العطسة داخل الصدر ، ليس وحدي بل الملايين ، وشهد شاهد منهم أن العالم تغيّر ، موازين القوى تداخلت لتطفو دولة واحدة على سطح الأرض ، أمريكا ، لن أتحدث عن هذا التمساح ، فالعراق ومنطقة الخليج لها رحبة هنا سأدع كل أمر يأتي إعتباطيا ، عاديا ألم اقل اني ساكتب روايتي بتلقائية كاملة غير ناقصة ، علي بختاوي جزء من روايتي قصْر العازب سوف تصدر بعد عشرة أيام