لا تزال الفنانة جهيدة هوادف تنتقل من معرض إلى آخر دون كلل ولا ملل ولا تعب ولا نصب ،دافعها في ذلك حب الجمال لا غير، والسعي إلى نشره وتقاسمه مع محبيه من مرتادي المعارض، وملتقيات الفنون التشكيلية في مختلف الأندية والفضاءات ،لقد أهدت جهيدة معرضها الأخير الذي احتضنه مركز الفنون والثقافة بحصن 23 بقصر رؤساء البحر،والذي حمل عنوان " نقاوسيات " إلى المرأة في شهرها الذي يدشن دخول الربيع ،أهدت نقاوسيات إلى المرأة التي كانت سببا في وجودها " أمها " وإلى جميع نساء منطقتها ومسقط رأسها بنقاوس، إلى الشهيدة " مريم بو عتورة " ،إليهن جميعا ، وقد كن بالنسبة لها القدوة،ومن ورائهن إلى كل نساء الوطن اللواتي أنجبن وربين الفرد الجزائري بأيديهن السخية ،عالجن ،خطن،وحملن السلاح أيضا زمن الحرب التحريرية جنبا إلى جنب مع المقاتلين والمجاهدين من الرجال من أجل بناء جزائر حرة ومستنيرة بالفنون . يجد الزائر في معرض نقاوسيات ألواحا تفيض ألوانا وحيوية ، وتشع فنا وحركية ،صيغت بالتقنيات المختلطة على الورق ،فعن بعض لوحاتها التي بطلاتها دوما وأبدا نساء، تقول جهيدة ،" أنهن يرتدين" العجار " أو النقاب ،وقد رسمن لوجوههن واجهات مسننة مزركشة برقة بأشكال على قماش صقيل،وهن لا يخفين إلا من اجل إظهار جانب من الطيبة والجمال لمن هو قريب ،محتفظات بماء الحياة من أجل تجديد العالم "،ومن هذه اللوحات " في ظل القبب المرتفعة ينتشربخور الولي " ،لوحة " بلعجار " ،"الظلال المرتدية " ،" الملائكة تلبس أجنحة لا ترى "،وعن لوحاتها الأخرى المعنونة ب" باقات الروائح اللطيفة المظلمة العنيدة " ،"الباقة المحنطة للزهور "،" الباقة المهتزة زمن البدر " ، " جبل الأوراس "، "عباد الشمس يظل وفيا للشمس " ،" في الاستماع القوي لوشوشة الوجود "، عنها تقول في باقات تم جنيهن بشراهة ،وفي" الرحابات" اجتمعن واصطففن للغناء الجماعي من أجل الحصاد ،الأعراس ،والختان،ينشدن دون موسيقى رقتهن الصوتية ذهابا وايابا ، تماما كما يبرزن صرخاتهن الحلقية التي تبدي غضبهن بدوسهن الأرض بقوة شبيهة بقوة الحصان ،ويجلجل خلخالهن بقوة إلى درجة زعزعة الجبال وهز الأرض . كما يجد الزائر لوحات أخرى للفنانة، كلها جاءت بالتقنية المختلطة على الورق ، ، تحمل عناوين " القمرة" ، " لعثمة غير المتوقع "،" الشاقة "، " حلم على ومض الغزال "،" ولدن من حلم عائم " ، " الفعل القابل لكل المعاني " ،" وعد جميل بالحياة "، " عي عيونهن هن غزالات " .وعن هذه الغزالات تقول جهيدة " هن غزالات ، نظراتهن متيقظة ، حذرات لأقل حركة للريح "، حال الهبوب يتسللن بحركات الارابيسك من أجل رسم إيقاع لحياتهن ،ينحنين ويقفن على النقاط المحددة ، يتوقفن على النقاط المحددة، يصلن إلى القمم الرفيعة ،ولا يبعن الخط المستقيم إلا من أجل الاستواء و البناء . يقول بن عمر مدين عن أعمال جهيدة هوادف الفنية ،وقد سماها " أشعار مرئية " ،فيما تفكر جهيدة عندما تكون في مواجهة البياض ، في اللحظة تفكر في الخط الأول المرسوم بالقلم والريشة ،وضع اللمسة الأولى ، وتعرف أن مجموعة الألوان قد تكون مستعصية ، وان الألوان تقاوم التمازج اللوني المرتب ،وعن الفنانين الموهوبين يقول مدين أنه يعرف عددا منهم وجهيدة من بينهم ، وكلهم يلازمهم القلق ، يذهبون إلى المجهول فيهم من اجل استخراج الأسرار المكتنزة ، والتي تفتح طريق إستلهام العمل الفني ، مثل ما يقال " من أجل عمل وانجاز ما لم ينجز "، مثل كبار الفنانين القلقين لكن العنيدين ، وكل بطريقته " بيكاسو " و " المرأة الزهرة " ، " ماتيس "، " عار أزرق لبسكرة " ، خدة " زيتون الظهرة " ، كلي " و " إسياخم " وغيره ، وهكذا جعلت جهيدة من بيتها واحة أين تتداول الأساطير ، المستيقظة برياح الصحراء والرمال للعودة إلى الفردوس الذي أنشد من أجله الشاعر السعدي والشيرازي ، ويبقى كل عمل تنجزه الفنانة هو بداية مع ما تكتنفه من المخاطر وصعوبات متسلق الجبال وما يتبع ذلك من إمكانية انزلاق القدم والسقوط . للعلم فإن جهيدة هوادف من مواليد الفاتح أفريل 1963 ، متخرجة من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة ، ومن المدرسة العليا للفنون الجميلة ، بدأت رحلة العرض منذ 1986 بقاعة ابن خلدون بالعاصمة الجزائر وفي المركز الثقافي السوفياتي بالجزائر ، في رصيدها العديد من المعارض الفردية والجماعية . عدة خليل