ما تزال أضرحة الأولياء الصالحين تحظى بمنزلة كبيرة في الجزائر، و مازالت تشهد زيارة الحشود من الناس شبابا وكهولا. طلبا لطرد العنوسة والشفاء من الأمراض وتحقيق الأحلام. و إن كان الإسلام يضع قيودا صارمة على زيارة الأضرحة ويُحرم طلب الدعاء من الأولياء الصالحين ، فإن العادة الموروثة عن الأجداد ما زالت تُحكم قبضتها على العديد من الناس الذين يطلبون الرجاء والشفاء من أموات الأضرحة . خديجة.ب طقوس متوارثة عادات وطقوس مختلفة تصاحب ضريح الولي الصالح ، فزيارة الأضرحة ، هو التبرك بقبر شخص كانت له صلة بالله من خلال علمه وعبادته، كان عالما أو متعبدا أو معروفا بالصلاح المشهود له بذلك في حياته. ويأمل الناس في زيارتهم لذلك القبر أن تصلح أحوالهم ببركاته وينتفعون بها ويدفعون بها عنهم المشاكل. و مازال الناس حتى في ظل التطوّر التكنولوجي الذي نعيشه يشدون الرحال من كل حدب وصوب لزيارة هاته الأماكن ، ويمارسون طقوس مختلفة توارثوها أب عن جد . للأولياء تخصصات ! و إن اختص كل واحد من الأولياء في علاج مرض ما أو حالة نفسية أو وضعية ما أو ظاهرة ما ، ولا زال البعض يؤمن بذلك ويقصد العديد منهم لذلك « الغرض »، لكن يوجد قاسم مشترك بين طقوس الزيارة والتصورات التي تصدر عنها تلك الطقوس. لفهم ذلك اقتربنا من خالتي فطيمة في أواخر الستينيات من العمر، تربت في أحضان الأضرحة حسب أقوالها ، منذ أن كانت طفلة وهي ترافق أمها وتجد في تلك الأماكن راحة نفسية كبيرة. حدثتنا عن سر نجاح الزيارة الذي لابد فيه حسب تصورها أن تتوفر فيها عدة شروط منها : النية والصدقة والأمنية والنذر. تفصل فيها فتقول : أولاً، النية وهي حالة نفسية. يقال إنه «بفضل النية الحاجة مَقْضيّة». ومن علامات صدق النية دخول المقام الموقر بالقدم اليمنى. وكل من توجه للضريح وقد هاج قلبه واغرورقت عيناه بالدموع يرجو حاجة تحققّت". ثانيا الصدقة، وهو تسبيق نقداً أو عيناً يقدمه الزائر للولي الصالح. ثالثاً الحاجة أو الأمنية. تنوى وتكتم في القلب. أما نوع المطالب فهي عديدة منها تيسير عمل، تسريع زواج أو إنجاب، صرف نحس وجلب قبول، مباركة تجارة أو علاج مرض أعجز الأطباء. رابعاً النذر، وهو المكافأة الختامية التي يلتزم الزائر بتقديمها للولي الصالح في حال تحقق الأمنية. لتضيف لابد على الزائر أن يطوف حول الضريح 03 أو 07 مرات، ويجب أن يوقد الشموع، ويضع الحناء خاصة بالنسبة للنساء. ليشعر في الأخير براحة نفسية كبيرة. الأضرحة .. ملاذ المتسوّلين الملاحظ أيضا أن أضرحة الأولياء الصالحين بات يستغلها حتى المتسولون من الجنسين ، مرضى وأصحاء و حتى معاقين، يرتدون أرث الثياب ويستغلون حاجات الناس، فيغدقونهم بمختلف أنواع الأدعية لنيل رضاهم ، و بالمقابل يحصلون على الصدقات، وخاصة أن الزائر لهاته الأماكن مستعد أن يدفع كل شيء المهم هو نيل مطلبه. الدكتور قصاب بوعلام : المستعمر الفرنسي خرّب عقول الجزائريين ونشر فيهم ثقافة زيارة الأضرحة يرى الدكتور في علم النفس بوعلام قصاب أن زيارة أضرحة الأولياء الصالحين هي عادة قديمة في الجزائر ، زرعها المستعمر في العقول الجزائرية. فقبل الاستعمار كان هناك علماء كبار في الجزائر لهم وزن على المستوى العربي والمستوى الإفريقي وحتى العالمي، لكن المستعمر عرف قوة العقل وما يمكن أن يقوم به ، فلجأ إلى استعمار العقول من خلال تخريبها بعدة وسائل ، منها تهديم المساجد وتحويلها إلى كنائس ، غلق الكتاتيب التي كانت منار لحفظ القرآن و تعلم العقيدة الصحيحة للمسلم، فبدلا من هؤلاء كون عددا من الأئمة المضلين الذين نشروا ثقافة زيارة القبور والتضرع للأولياء الصالحين. فنحن كنفسانيين نعلم أن العقل البشري هو الضوء الذي يستنير منه الإنسان، فمن خلاله يفكر ويقرر ، فإذا مرضت العقول مرضت الأجساد وهانت ، ومرضت معها النفوس ، فمن خلال ما ذكرت سالفا ، فإن استعمار العقول عن طريق سياسة التجهيل تركت الجيل الذي نشأ في مدارس الفرنسيين جيلا معتلا ، يؤمن بأشياء لا تتماشى وعقيدتنا، و منها زيارة الأضرحة ، ظنا منها أنها تشفع لهم وتساعدهم في قضاء حوائجهم ، إذا ترسخ أفكار فاسدة في العقل ينجم عنها إحساس وعواطف فاسدة على مستوى الوجدان، وبالتالي تنعكس على الجسد والسلوك الإنساني، حيث أصبح سلوك زيارة المقابر والأضرحة ضمن التقاليد التي يدأب عليها الجزائريون. علم الاجتماع : زيارة الأضرحة عادة قديمة فرّختها فرنسا في عشّنا يقول المختص في علم الاجتماع ، الأستاذ كافي موسى أن هذه الظاهرة كانت وما زالت وستظل سائدة في مجتمعاتنا، كونها أصبحت من العادات والتقاليد غير السوية ، لأنها لا تتماشى مع معتقداتنا الدينية، لكن فئة من الناس الجهال منهم والمثقفين يعتقدون أنها الطريقة التي تقربهم إلى الله، فكثير من مثقفينا وإطاراتنا يلجؤون إلى هذا السلوك بغية تحقيق أمانيهم وطموحاتهم، كتحقيق مناصب سياسية أو مكاسب مادية ، وحتى فك العقد الإجتماعية كالسحر، العلاج ، الزواج، وغيرها، وانتشرت ظاهرة تقديم الأضرحة وزيارة الولي الصالح بغية التقرب إلى الله ، للتبرك وتحقيق آمالهم وطموحاتهم الدنيوية، غذّاها الاستعمار الفرنسي لتجهيل الشعب الجزائري ، من خلال نشرهم للخرف والبدع ، بغية تشكيكهم في معتقداتهم وتغيير قيمهم الاجتماعية ، المتمثلة في اللغة والدين والتاريخ، أي مسح مقوّماتهم الوطنية ، لكن لكل داء إلا وله دواء ، و دواء هذا الداء في تلك المرحلة هو بروز جمعية العلماء المسلمين التي قامت على أساس محاربة الجهل والقضاء على البدع والخرافات ، و تبصير الشعب بما يتماشى مع ديننا الحنيف، و هذا للحفاظ على وحدة الشعب من أجل الوقوف بالند أمام مكائد الاستعمار الفرنسي ومخططاته . لكن اليوم هذه الظاهرة ما تزال موجودة سواء على المستوى الوطني شرقا وغربا، جنوبا وشمالا وحتى في مناطق القبائل، حيث نلاحظ وجود هذا النوع من الأضرحة المتمثلة في السيد في العديد من مناطق الوطن والذي يقصده الكثير من الناس بغية للشفاء وتحقيق طموحاتهم وأهدافهم المستقبلية، وتعتبر هذه الأضرحة من الرموز والمقدسات الدينية والمساس بها من المحرمات وهذا النوع من الطقوس يمارس في الغالب على مستوى الزوايا القرآنية. ويبقى اليوم الصراع قائم ما بين الجيل السابق وشباب اليوم، بسبب الاختلاف في طريقة تفكيرهم وتنّوع في معتقداتهم نتيجة وجود العديد من المتغيّرات التي ساعدت فئة الشباب لطلب العلم وتصحيح المعتقدات ، حيث يعتبرشبابنا بأن هذا النوع من المعتقدات هو شرك بالله وهو من أكبر الكبائر. لكن من جهة أخرى نلاحظ على الرغم من التطورات العلمية والتكنولوجية إلا أننا نلاحظ أن هناك العديد من التيارات الإسلامية لكل منها مناصرين ومؤيدين، وهي تختلف في طريقة فهمهم للدين، كل فرقة ترى نفسها بأنها الفرقة الناجية، فهل ستهتدي هذه الفرق إلى طريق الحق وتركز على ما يخدم وحدة الأمة وصلاح البلاد والعباد؟ لقول الله تعالى :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". المختص في الشريعة عمار العسكري : الطواف بأضرحة الأولياء وطلب الدعاء منهم محرّم شرعا يقول الأستاذ عمار العسكري في الموضوع : مما ينبغي أن يعلم أن زيارة القبور مندوبة للرجال والنساء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم قال: (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألان فزوروها فإنها تذكركم الآخرة)). فهذا الحديث وغيره، يبين مشروعية زيارة القبور، و يبين المقصد منها ألا وهو: التذكير بالآخرة، وأخذ العبرة من الأموات، وهذا أمر يشترك فيه الرجل والمرأة، و فيه فائدة للأحياء، كما أن من مقاصدها الدعاء للأموات والترحّم عليهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية))، وفي لفظ آخر: ((يرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين)). وتتأكد الزيارة إذا كان الأمر يتعلق بالأنبياء والأولياء والأقارب والعلماء ، حتى استحب العلماء الوضوء لزيارتهم، لكن ليس المقصود بالزيارة طلب الدعاء منهم، أو الاستغاثة بهم، أو الطواف بقبورهم، و ما أشبه ذلك مما يفعله بعض الجهال، فإن هذا لا يجوز وقد يصل إلى درجة الشرك والعياذ بالله ، لقول الله تعالى :( ولا تدع من دون الله ما لاينفعك ولا يضرك فإذا فعلت فإنك إذا من الظالمين). ولقوله صلى الله عليه وسلم:( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ).فإن مثل ذلك لا يجوز حتى ولو كان الأمر يتعلق بالأنبياء. ثم إن الأولياء ليس هم بالضرورة من تبنى لهم القباب ، وتشيد لهم الأضرحة، بل قد يكونون أحياء ، المهم أن يتوفر فيهم شرطان ذكرهما الله في كتابه الكريم ، الإيمان والتقوى ( ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من عباد الله ناساً يغبطهم الأنبياء والشهداء، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: قوم تحابُّوا في الله من غير أموال ولا أنساب، لا يفزعون إذا فزع النَّاس، ولا يحزنون إذا حزنوا، ثمَّ تلا صلى الله عليه وسلم : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» . يضيف العسكري : إن واجبنا نحو الأنبياء والصالحين ، سواء كانوا أحياء أو ميتين: محبتهم وموالاتهم،نشر فضائلهم ، الدعاء والاستغفار لهم، الاستفادة منهم، أما دعاؤهم والطواف بقبورهم ، وتقديم الذبائح لهم ، والاسترزاق باسمهم، فهذا من ظلمهم ومن إيذائهم ، ولاشك في تحريم الظلم والإيذاء ، وخاصة إذا ما تعلّق الأمر بالأولياء .