لا شك وأن الكثير منا لا ينسى الفيلم الموجه للأطفال "ويلي ونكا ومصنع الشوكولاتة" الذي أنتج سنة 1971، ولكن الجمهور الجزائري تعرف إلى نسخته الثانية التي تم إنتاجها سنة 2005 من بطولة الممثل المشهور جوني ديب، وهو في الأساس مقتبس عن كتاب الأطفال "تشارلي ومصنع الشيكولاتة" للمؤلف البريطاني روالد دال. تدور أحداث القصّة حول تشارلي الذي يسأل جدّه ذات يوم عن مصنع ونكا للشكولاتة، إن كان هو المصنع الأكبر في العالم في إنتاج قطع الحلوى فيتعجب الجد جو عن عدم معرفة تشارلي بذلك وهم يسكنون في منزل صغير جدا وبائس بالقرب هذا المصنع الذي ينتج الحلوى الأكثر شهرة في العالم كلّه. حلم زيارة المصنع الغامض يعيش تشارلي في بيت لعائلة فقيرة جدا يتكوّن من غرفتين، بهِ سرير واحد في أحد غرفه حيث ينام عليه أربعة أشخاص هم جديه لأبيه وجديه لأمّه، أما تشارلي ووالديه السيد والسيدة باكيت فينامون على أرضيّة الغرفةِ الأخرى، ويعيل كل هؤلاء الأفراد رجل واحد هو السيّد باكيت. ترتفع وتيرة الأحداث عندما يُصبح تشارلي مهووسا بسماع قصص حول مصنع ونكا الذي يمرُّ عليه كل يوم مرتين عند ذهابه وإيابه من المدرسة، لكن لا أحد يعلم سر المصنع المغلق منذُ عشر سنوات ولا ونوع البشر الذين يعملون بداخله، ثمّ أنه لا أحد شاهد السيد ونكا طيلة هذه العشر سنوات، وذلك منذُ أن أصبحت مصانع الحلوى الأخرى تسرقُ وصفاته وتنتج أفضل منها. فيتم الإعلان في الصحيفة عن رغبة السيد ونكا في استضافة خمسة أطفال محظوظين لدخول عالم مصنع الشوكولاته الذي لم يُفتح لأحد منذُ عشر سنوات، والأطفال الخمسة هم الذين يحصلون على البطاقة الذهبيّة التي تكون قد وضعت في قطع حلوى ونكا الموزعة في متاجر المدينة. فرصة تشارلي المسكين ضئيلة جدا في الحصول على هذه الفرصة الذهبيّة ، إذ أنه لا يحصل على الحلوى سوى مرّة واحدة من كل عام هو يوم ميلاده، وكان قريبا. أراد تشارلى أن يفوز بذلك أكثر من أي طفل آخر، تلقى قطعة شوكولاتة ونكا كهدية في عيد ميلاده ثم لاحقا تلقى قطعة ثانية جلبها له جدّه جوى بالقطعة النقدية التي يملكها، ولم تحوي أي منها على التذكرة، انكسر وفي اليوم الموالي وبينما كان يسير في أرجاء المدينة وجد بعض المال في الشارع، فذهب بسرعة إلى محل بيع الحلوى واشترى قطعة من شوكولاتة ونكا وأكلها، ثم اشترى قطعة أخرى من أجل جدّه جوى، وعندمت همّ بالخروج سمع أن الفائز الخامس قد زيف تذكرته، وأن التذكرة الخامسة لا تزال متاحة لمن سيجدها، ففتح بسرعة وتوتر قطعته ووجد التذكرة الخامسة، فهرب من الجمع والحشد الذي أحاط به على الفور، اعترض طريقه وبادره بالكلام رجل ذو هيئة شريرة مريبة وهو صاحب مصنع حلوى منافس، عرض على تشارلي كما عرض على الأربعة الفائزين مبلغا ضخما من المال مقابل عينة من أحدث منتجات مصنع ونكا والمسمى سد الحنك الأبدي، كي يتمكن من كشف الخلطة السرية، لكن تشارلي أسرع إلى منزله يسابق الريح ليبشر أسرته ببشرى فوزه، ونهض جدّه جوى من فراشه ليكون ولي أمره الذي سيصطحبه إلى المصنع. دهشة وراء أبواب المصنع عند دخول الأطفال مصنع الشوكولاتة تحطمت حدود الإدراكات السابقة للواقع، بما أن مقر ونكا كان أرض عجائب روحانية مليئة بأنهار الشوكولاتة والكثير من فطر عش الغراب العملاق الصالح للأكل، وورق حائط من الحلوى واختراعات مبدعة حاذقة وعمال ونكا الرجال الأقزام المصبوغين باللون الأخضر والبرتقالي الذين يعرفون باسم أومبا لومباس.كل طفل وطفلة تم منحه سد الحنك الأبدي، وهي حلوى يمكن مصها واستحلابها للأبد دون أن تتحلل أو تتفتت ولا أن تفقد مذاقها ونكهتها. ومع تقدم الرحلة، أفصح الأطفال الأربعة الآخرون عن كونهم شرهون وجشعون ومفسدون وسيئوو السلوك، آثار وخصائص وسمات مميزة فيهم فجلبوا على أنفسهم مصائب وكوارث غريبة هائلة وجنوا على أنفسهم بأيديهم، وشيئا فشيئا تناقص عدد أفراد الرحلة الصغيرة العدد أصلا حتى بقي تشارلي باكيت وجده جوى فحسب. خلال الرحلة داخل المصنع، سقط الأطفال الأربعة الفائزون بالتذاكر واحدا تلو واحد في فخ الإغراء، وكان الأمر متعلقا بنقطة ضعف في شخصية كل واحد منهم، وذلك بحادثة غريبة تقصيهم وأوليائهم المرافقين لهم، بينما السيد ونكا كان يلاحظ فقط ولم يبدِ قلقا عليهم. الفوارق بين الفيلم والرواية الفيلم لم يصور كل تلك التفاصيل التي اهتمت بها الرواية فيما يتعلق بحصول تشارلي على البطاقة الذهبية، حيث أنه لم يُشر إلى أن الفائز الأخير قد زورها واكتفى فقط بخيبة تشارلي يوم عيد مولده ويوم اشترى أخرى بالقطعة النقدية التي قدمها له والده، في حين كانت الثالثة عندما وجد نقودا في الشارع واشترى لوح الشكولاتة في المحل حيث اعترضته امرأة ورجل وكل منهما اقترح عليه مبلغا لشراء البطاقة، ولم يغره أحد بالمال مقابل وصفة سرية، لكنه ذهب إلى المنزل وهناك قال لوالديه أنه سيبيعها من أجلهم لأنهم فقراء لكنهم رفضوا ذلك لأنهم يعلمون أنه حلم بالنسبة له. ويكمن الاختلاف كذلك في مصائر الأطفال داخل المصنع، فالطفل الجشع أوغسطس جلوب لم يستطع المقاومة وشرب من نهر الشوكولاتة في حجرة الشوكولاتة متحديا تحذيرات السيد ونكا، فسقط في النهر وشفطته أنبوبة تؤدي إلى غرفة صناعة الحلوى من الشوكولاتة، وهذا نفسه في الفيلم، أما فيوليت بيورجارد محبة مضغ العلكة بإفراط فقد مضغت قطعة تجريبية من العلكة ثلاثية الوجبات رغم تحذير السيد ونكا، خلاصة فطيرة التوت الأزرق التي بداخل العلكة حولت فيوليت إلى توتة زرقاء عملاقة منتفخة وكان لزاما أن تقتاد إلى حجرة العصر لسحب العصير منها لتجنب انفجارها وموتها، وهذا أيضا نفسه في الفيلم، أما فيروكا سولت المدللة الجشعة (التي جعلت أباها يسخر كل عاملات مصنعه لفتح مئات الصناديق المليئة بعلب الشوكولاتة للبحث عن البطاقة) فقد طلبت أن يشترى أبوها إوزة ونكا التي تبيض بيضا من الذهب ولكن ونكا رفض أن يبيعها.و بعد أن انتابتها نوبة غضب وانفعال وغنت أغنيتها "أريدها الآن وفورا " قفزت على الميزان المخصص لتصنيف البيض والذي يزن البيض لدى نزوله من الإوزات ويحكم بصلاحية أو عدم صلاحية البيض فحكم بأن فيروكا بيضة فاسدة غير صالحة فانفتحت هوة تحته تلقى فيها البيضات الفاسدات في سلة المهملات وعندما حاول والدها إنقاذها سقط هو الآخر، بينما الفيلم اعتمد في تصوير هذا المشهد على السناجب التي تقشر الجوز وعندما رغبت هذه المدللة بسنجاب تضيفه إلى حديقتها نزلت لوحدها حيث تعمل السناجب لتأخذ واحدا، لكن السناجب هاجمتها وحين فحصتها قررت أنها فاسدة فألقت بها في النفايات في تلك الهوة. أما مايك تيفى المهووس بمسلسلات وأفلام رعاة البقر والغرب الأمريكي العنيفة حتى أنه يرتدى زي رعاة البقر، فقد انبهر بآلة الانتقال اللحظي التي اخترعها ونكا لنقل الشوكولاتة من مكان لآخر عبر الزمن حيث ينقلها على شاشة التلفزيون، فألح على السيد ونكا الذي منعه لكنه وقف في مرمى الأشعة التي يطلقها الجهار فانتقل بالموجات إلى داخل شاشة التلفزيون الخاصة بالجهاز مصغر الحجم جدا ومنمنما ومنكمشا في حجم الفأر الصغير وأُخِذ إلى غرفة سحب ومط حلوى التوفى ليتم تمديده من جديد إلى حجمه الطبيعي، وفي الفيلم لم يكن الطفل يرتدي ملابس رعاة البقر وإنما صوره طفلا مهووسا بالتكنولوجيا والتلفزيون والألعاب الإلكترونية. لقد كان الأطفال الجشعين والسيئين، يلاقون حتفهم الواحد تلو الآخر، يقوم العمال الأقزام الذين يسمون "الأومبا لومباس" بأداء أغنية عنهم بعد كل حادثة. وبالنسبة للعنوان، فتم استبدال ويلي ونكا بتشارلي، باعتبار أن القصة تدور حول هاتين الشخصيتين، وإن اعتبرنا أن ويلي ونكا هو البطل الرئيسي لأنه المحرك الأول لأحداث القصة، كما أن أسبابه كانت واضحة للقيام بهذه الخطوة المهمة في حياته لإيجاد وريث. الفيلم أيضا لم يصور الامتحان الصعب الذي قام به السيد ونكا خصيصا لتشارلي الذي تبقى من مجموعة الأطفال، حيث أنه وجدّه جوى قد شربا بعض الجعة التجريبية المعروفة باسم الأشربة الرافعة الفوارة، والتي رفعتهما عاليا جدا حتى قاربا أن تشفطهما مروحة طاردة عالية في أعلى سقف القاعة حتى اكتشف الجد أن تكريعهما وتجشؤهما هو السبيل الوحيد لنجاتهما فأخذا يتجشآن وكلما تجشآ هبطا أكثر وأكثر وبذلك عادا للوقوف على الأرض من جديد ونجيا من الامتحان الصعب على نقيض الأربعة، لكن ونكا لم يغفر لهما ذلك وصرفهما. لقد كان واضحا سواء في هذا الفيلم وفي فيلم بيرتون اللاحق رغم أن ذلك لم يرد في الرواية الأصلية، أنه قد خطط ودبر لتلك الحوادث أن تقع كل حادثة كانت تعقبها أغنية وعظ أخلاقى يغنيها الأومبا لومباس. في المصنع، تحدث الكثير من الأشياء، وثمّة عالم خيالي لا يمكن التنبؤ به يسرده رولد دال من خياله، تفاصيل كثيرة يكتبها دال طويلة أيضا وهي تتعلق بالجولة في المصنع، لكن القصة كانت تتطلب هذه التفاصيل، إلا أنه وفي اللحظة المناسبة يقدم إثارة وأحداثها متتابعة. "تشارلي ومصنع الشكولاتة" من أفضل روايات أدب الأطفال في العالم إلى جانب "الأمير الصغير" لأنطوان سان أوكزوبيري، كتابان لا يزالان يراهنان على تواجدهما لما فيهما من خيال ودهشة وتشويق كافين لإبهار أطفال العالم في كل زمان ومكان.