الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه أما بعد: بعث الله الرسل وأنزل الكتب لإصلاح القلوب وتطهيرها، وتزكيتها وتطييبها، كيف لا ؟.. وبالقلب يعرف العبد ربَه فيتعرف على أسمائه وصفاته، وبالقلب يعلم العبد أمر الله ونهيه، وبالقلب يحب العبد ربه ويخافه ويرجوه، وبالقلب يفلح العبد وينجو يوم القيامة قال الله تعالى:﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أي أتى الله بقلب سليم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره ونبأه. الأعمال القلبية لها منزلة وقدر، وهي في الجملة أعظم من أعمال الجوارح،وتناولها والتفقه فيها من المقاصد وليس من الوسائل؛فبالقلب يقطع سفر الآخرة فإن السير إلى الله تعالى سيرُ القلوب لا سيرُ الأبدان.قال ابن رجب رحمه الله: فأفضل الناس من سلك طريق النبي صلى الله عليه و سلم وخواص أصحابه في الاجتهاد في الأحوال القلبية فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان) والقلب هو موضع نظر الله سبحانه وتعالى من عبده ففي صحيح مسلم من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. فلله أقوام صرفوا جلّ اهتمامهم في تحسين ظواهرهم، وغفلوا عن قلوبهم وأفئدتهم، وما أصدق ما قاله ابن القيم رحمه الله: فالفضل عند الله ليس بصورة ... الأعمال بل بحقائق الإيمان وبصلاح القلب تصلح الأجساد ففي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير:ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. عليكم بحفظ قلوبكم وإصلاحها وحسن النظر فيها وبذل المجهود في استقامتها، واعلموا أنه لن يتم لكم ما ترجونه من صلاح قلوبكم حتى تسلم قلوبكم من أربعة أمور: الأمر الأول: أن تسلم من الشرك صغيره وكبيره فإنه من أعظم مفسدات القلوب قال ابن القيم رحمه الله: ولا صلاح له – أي للقلب – إلا بتوجيه محبته وعبادته وخوفه ورجائه. الأمر الثاني:أن تسلم من البدعة ومخالفة السنة، فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فإذا امتلأ القلب بالبدع أظلم وإذا أظلم مرض ولم يصح.الأمر الثالث:أن تسلم من الشبهات التي تزيغها وتحملها على اتباع الهوى والتكذيب بالحق.الأمر الرابع:أن تسلم من الشهوات التي تمرضها وتفسدها. وإن السلامة من هذه الآفات الكبرى، لا تتأتى إلا بأسباب لابد من الأخذ بها ومقدمات لابد من تحصيلها. فمن أسباب صلاح القلوب واستقامتها الأخذ بالقرآن العظيم تلاوة وحفظاً وتدبراً وتعلماً فإن الله سبحانه وتعالى أنزله شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فالقرآن أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد،وهو أنفع الأدوية لما في الصدور من أمراض الشبهات والشهوات قال أهل العلم:(جماع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين) فأقبلوا على كتاب الله فإنه لا صلاح لكم ولا سعادة إلا بالتمسك به فاعتصموا به ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. ومن أسباب صلاح القلوب واستقامتها إعمارها بمحبة الله تعالى فلا فلاح ولا صلاح ولا استقامة ولا لذة ولا طيب إلا بمحبة الله تعالى قال النبي r:(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَ إليه مما سواهما) قال أهل العلم:(فالمحبة أعظم واجبات الدين وأكثر أصوله وأجل قواعده بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين). فاجتهدوا عباد الله في تحصيل محبة الله تعالى واعلموا أن طريقها الأكبر أداء الفرائض والواجبات والاجتهاد في النوافل والمستحبات قال الله تعالى في الحديث الإلهي:(وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه). ومن أسباب صلاح القلوب وتطييبها ذكر الله تعالى:﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.وقال النبي r:(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت). فذكر الله تعالى أيها المسلمون:جلاء القلوب فإن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وجلاؤه ذكر الله تعالى فأكثروا من ذكر الله تعالى في جميع الأوقات لا سيما في أدبار الصلوات وفي الصباح والمساء وغير ذلك من المناسبات فإنها من أعظم ما يصلح القلوب. وإن من أسباب صلاح القلوب تطهيرها من الآفات والأمراض التي تفسدها وتعطبها كالحسد والغل والعجب والرياء والشح فإن هذه الأمراض تفسد القلب وتصرفه عن صحته واستقامته فاحرصوا بارك الله فيكم على تطهير قلوبكم من هذه الآفات فإنه لا نجاة للقلب إلا بالنجاة منها.أيها المؤمنون:إن من أهم أسباب صلاح القلوب دعاء الله سبحانه وتعالى وسؤاله إصلاح القلب و تطييبه فإن سؤال ذلك من أنفع الدعاء ومن دعاء النبي r: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) ومن دعائه أيضاً:(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فأكثروا من سؤال الله التثبيت وإصلاح القلوب. علينا بالتوبة من الذنوب التي تفسد القلوب وتخربها ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) فبين هذا الحديث أثر الذنوب على القلب وأنه يطمسها ويختم عليها كما قال ابن المبارك رحمه الله. رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب و خير لنفسك عصيانها