أجمع المتدخلون في الندوة التاريخية التي نظمتها صباح أمس جريدة «الجمهورية» حول المجاهد الراحل بن حدو بوحجر المدعو (العقيد عثمان)، أن هذا القائد والفدائي المغوار يمثل جيلا لم تلد الجزائر لا قبله ولا بعده، وأضاف ضيوف «منتدى» الجمهورية الذين اكتشفوا لأول مرة متحف اليومية وقاعة إلقاء الندوات والمؤتمرات الصحفية، أن القائد والضابط السامي في جيش التحرير الوطني والمسؤول السياسي المحنك بعد الاستقلال، رجل ينتمي إلى نوع خاص من الجزائريين، حيث شاءت الأقدار أن يرث هذا الجيل الخالد، ذاكرة وتراث ومسؤولية عجزت 3 أجيال من قبله أن تحقق الأمنية والأمل الذي بدأ يعمل من أجله منذ الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. المؤرخ لحسن زغيدي :«الراحل مدرسة في النضال» وأكد بالمناسبة الدكتور والباحث في التاريخ لحسن زغيدي أن القائد السابق للولاية الخامسة بن حدو بوحجر، يعد من القياديين والثوار الذين ولدوا في الفترة الممتدة بين 1917 و 1927، حيث يمثل هذه العشرية التي أنجبتها الأمة لتكون الطليعة النوفمبرية، التي تربت تربية أقل ما يقال عنها إنها كانت تحمل أبجديات وروح التحرير والاستقلال وطرد الاستدمار والاستشهاد والنضال، معترفا بحضور ابن المجاهد الراحل عبد المومن بوحجر، أن العقيد عثمان والجيل الثوري الذي اشتغل معه في السابق، كان مدرسة واحدة وشاملة يحملون نفس الأهداف والمرامي، حيث ومن محاسن الصدف أنه ولد مع نشأة نجم شمال إفريقيا، وأن هذه الفئة التي تربت في أدبيات هذا التنظيم السياسي، واصلت نضالها بالانخراط في صفوف حزب الشعب الجزائري، حيث ولما انطلقت الحرب العالمية الثانية، وجدت هذه الفئة، مدى المعاناة والفقر والاضطهاد والتفقير الذي عانى منه الجزائريون، لتتشكل في أذهانهم هذه الثقافة البائسة، التي عايشوها وتعلموها من توجيهات ومناشير وبيانات حزب الشعب، ما جعل هذا الجيل فريدا من نوعه، لاسيما وأنه عايش سنوات الحرب العالمية الأولى، وشاهد بأم عينيه انهزام فرنسا في جوان 1940، ليستيقظ شبابنا ويدرك أن هزيمة فرنسا ممكنة وليست مستحيلة، وفي هذه اللحظة بالذات تبين لشعوب الشمال الإفريقي ولاسيما الجزائري منه، أن إمكانية تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، يمكن أن يكون ملهما لهم لتحرير الجزائر من الاستدمار الفرنسي، مع العلم أن هذا الجيل الاستثنائي والفريد من نوعه، كان من طفولته رجلا مغوارا، وعرف منذ نعومة أظافر أن الأسرة الصغيرة التي يعيلها لا تختلف عن الجزائر التي تمثل الأسرة الكبيرة، ومن ثمة وجب إعالتها والدفاع عنها ونصرتها، تماما مثل الدفاع عن الأم والأخت والأخ والأب... ودعا المؤرخ لحسن زغيدي جميع المدارس، لتعليم أبنائنا حب الوطن والوحدة الوطنية، وأنه بدون الثورة والاستشهاد وتقديم الدماء لا يمكن تحرير بلداننا من الاحتلال، موضحا أن المجاهد الكبير بن حدو بوحجر، يمثل جيل المجددين، حيث أقسم بعد 1945 أن لا يمارس السياسة ولا يجلس على طاولة المفاوضات، ليطالب بتأسيس جناحا عسكريا سريا، ينشط من خلاله ويضرب فرنسا التي طغت وتجبرت على شعب أعزل، ليلتحق الراحل بالمنظمة السرية وعمره لم يتجاوز ال20 ربيعا، وبعد سنوات قلائل من النضال، ألقي عليه القبض، وحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، وهنا يلتحق القائد السابق للولاية الخامسة، بمدرسة جديدة، حيث الاحتكاك بكبار الثوار ومعانقة جهابذة السياسة الجزائريين، فكان السجن لهذا الجيل مدرسة وجامعة صيفية يلتقي فيها الرفقاء ويتصالح فيها الفرقاء، ولما اندلعت الثورة التحريرية المباركة، أقسمت هذه الفئة من الشباب الطلائعي، على إشعال الثورة، بكامل التراب الوطني، والعمل على ضرب الشريان الاقتصادي للمستدمر الفرنسي، حيث تذكر الشواهد والكتب التاريخية، أن العقيد عثمان، قام سنة 1956 بحرق 75 مزرعة في عين تموشنت، ما يبرز التفكير الاستيراتيجي للثوار الجزائريين، الذين أرادوا من خلال هذه العمليات ضرب البنية التحتية الفرنسية وإنهاكها من الداخل، هذه المعارك والبطولات سمحت للمجاهد بن حدو بوحجر باعتلاء وتقلد مناصب سامية في جيش التحرير الوطني، موضحا أن هذا الجيل خلق للقيادة والزعامة، وهذا الفضل يرجع للحركة الوطنية التي أعدته أحسن إعداد، حيث وبمجرد استشهاد العقيد لطفي، رقّي قائدا على الولاية الخامسة التاريخية، ليواصل الجهاد والكفاح على الحدود الغربية من الوطن، مثبتا كفاءته وحنكته وقدرته على خوض المعارض وتحضير الجنود وتعبئة الجماهير، وبعد الاستقلال مثل العقيد عثمان وهران أحسن تمثيل، ليمثل الولاية في المجلس الوطني جنبا إلى جنب مع الرئيس الراحل هواري بومدين، لتخسر الجزائر بعد وفاته في 27 أوت 1977 قياديا كبيرا ورجلا نموذجيا من الرعيل الأول. إجماع على ضرورة الاقتداء برسالة الأسلاف من جانبه أكد المفتش العام لوهران ونيابة عن والي الولاية السيد سكينة جيلالي، أنه من واجب جيل اليوم الوفاء لتضحيات وأرواح الشهداء، مشيدا بالمبادرة التي رعتها جريدة «الجمهورية» داعيا في سياق متصل إلى الاستفادة من محطات هؤلاء الكبار حفاظا على الذاكرة، وردا على مختلف المحاولات اليائسة التي تعمل على تسميم الحقائق التاريخية وتشويهها. وعلى صعيد متصل أكد رئيس المجلس الشعبي الولائي السيد معروف عبد القادر، أن هذه اللقاءات التي تخلد هؤلاء الزعماء الثوريين الكبار، تنفض الغبار عنهم وتبرز لشباب اليوم نضالهم وكفاحهم وبالتالي وجب الاقتداء بهم والسير على نهجهم تخليدا لرسالتهم وحفاظا على رسالة الأسلاف. كما سرد السيد معروف عبد القادر مواقف تاريخية كانت لعائلته مع المرحوم المجاهد العقيد عثمان وزوجته المجاهدة المرحومة ميمونة. من جهته ثمن رئيس جمعية «مشعل الشهيد» محمد عباد، ما سماه بالوقفات التاريخية التي ما فتئت تنظمها في كل مرة بيومية «الجمهورية»، لاسيما وأنه سبق وأن احتضنت مؤخرا ندوة تاريخية بمناسبة الذكرى ال60 لاستشهاد العربي بن مهيدي، لتحيي هذه المرة الذكرى ال40 لرحيل المجاهد وقائد الولاية الخامسة بن حدو بوحجر، داعيا إلى تكثيف مثل هذه الوقفات مستقبلا. ليفسح بعدها المجال لمجاهدين ورفقاء الفقيد، الذين أجمعوا كلهم على شهامة الراحل وبطولته وروحه الوطنية العالية، طيلة مسيرته الجهادية وبعد الاستقلال.